...
الفصل الثاني: تاريخ البحث العلمي في العصر الحديث في تاريخ العرب القديم
ظل التاريخ العربي القديم -كما أشرنا من قبل- حتى أخريات القرن الثامن عشر الميلادي، يعتمد في الدرجة الأولى على ما جاء عنه في كتب اليهود واليونان والرومان، فضلا عن المصادر العربية بأنواعها المختلفة، إلى أن بدأ الأوربيون يهتمون في العصر الحديث ببلاد العرب، لأسباب كثيرة، منها الرغبة في معرفة ما كان يجري في مكة والمدينة، إذ ألهب ذلك الموضوع خيال الأوربيين، بخاصة وأن المدينتين المقدستين محرمتان على غير المسلمين1، ومنها الرغبة في السيطرة على تلك المنطقة بعد أن امتد نفوذ الغرب إلى الشرقين -الأقصى والأوسط- مما جعل دراسة هذه المنطقة ضرورة سياسية بالنسبة إلى أوربا، ومنها أن الأوربيين في أسفارهم إلى الهند -عن طريق البحر الأحمر ومصر- سمعوا ما يتناقله سكان شواطئ اليمن وحضرموت عن آثار الأبنية المدفونة في رمال تلك البقاع، وما عليها من كتابات لم يستطع العرب- ولا اليهود قراءتها2.
وهكذا بدأ نفر من المستشرقين في طليعة القرن التاسع عشر الميلادي يتطلعون إلى ضرورة الاعتماد على مصادر أثرية، من كتابات ونقوش، توضح ما خفي من هذا التاريخ، كما دفعتهم الكتابات القصصية التي سجلها مؤرخو اليونان والرومان والعرب، وما حفلت به الكتب المقدسة عن ملكة سبأ وسليمان، إلى التفكير في الكشف عن التراث القديم لبلاد اليمن3.