السورية على رأي1، وفي أثناء رحلته إلى القسطنطينية في عام 563م، على رأي آخر2. وأيا ما كان الأمر، فلقد عمل الحارث على نشر المذهب المونوفيزي في دويلته، وأصبحت "بصرى" عاصمة دينية للمنطقة، وذلك على الرغم من أن الإمبراطورية الرومانية كانت تنظر إلى هذا المذهب المسيحي نظرة شك وريبة، ومن ثم فقد كان هذا سببا في أن ينظر الإمبراطور إلى الحارث نفسه، نظرة الشك ذاتها، وزاد النار اشتعالا بطارقة القسطنطينة الذين كانوا يكرهون المذهب اليعقوبي، ويعتبرونه نوعا من الهرطقة الدينية3.
ومهما يكن من أمر، فلقد وصلت دولة الغساسنة وقت ذاك إلى ذروة اتساعها، فقد كانت تمتد من قرب البتراء إلى الرصافة شمالي تدمر، وتشمل البلقاء والصفا وحران، وأصبحت "بصرى" التي بنيت "كاتدارئيتها" في عام 512م العاصمة الدينية في المنطقة، فضلا عن شهرتها كمركز تجاري مهم4.
وفي عام 563م، زار الحارث جستنيان في القسطنطينية، فترك أثرا عميقا في نفوس رجال البلاط الإمبراطوري، كشيخ عربي مهيب، وإن لم يقابل بما يجب أن يقابل به الأبطال من مظاهر الحفاوة والتكريم، بسبب الخلافات المذهبية، ولعل السبب في هذه الزيارة، إنما كان مفاوضة الرومان فيمن يخلفه من أولاده، فضلا عن الاتفاق على السياسة التي يجب اتخاذها إزاء "عمرو بن المنذر"5.