ولعل السبب في هذا الاختلاف إنما هو اختلاط أخبار آل غسان بالقبائل العربية التي سبقتهم إلى سورية، ودانت بالنصرانية، وخضعت لحكم الرومان، كما أن من أسبابه أيضا اقتصار مؤرخي العرب على الناحية الأدبية من تاريخ الغساسنة، وإهمال تاريخهم السياسي، بالطريقة التي أهملوا بها تاريخ اليونان والرومان، أضف إلى ذلك هذا التشابه في الأسماء بين حارث ومنذر ونعمان، واختلاط ذلك أيضا بالتشابه والتقارب مع أسماء ملوك المناذرة1.

أضف إلى ذلك أن هذا الاختلاط أو الخلاف بين مؤرخي العرب على عدد ملوك آل غسان، إنما هو دليل على ما يحيط بأسرة "آل جفنة" من غموض، وفي الواقع أن تاريخ الأسرة بكامله غامض، حتى أصل الأسرة نفسها، فالمؤرخون العرب يرون أن الغساسنة -وكذا المناذرة- إنما ويرجحون أنهم من عرب الشمال، لأسباب، المحدثين ما يزالون في ريب من هذا، ويرجحون أنهم من عرب الشمال، لأسباب، منها "أولا" أن لغة الغساسنة -وكذا المناذرة- إنما هي لغة عدنانية، أكثر منها قحطانية، بل إنها لا تمت إلى الحميرية الجنوبية بصلة، ومنها "ثانيا" أن أسماءهم إنما تشبه في مجموعها أسماء عرب الشمال، وكذا العادات والذين، والتي هي أكثر انطباقا على عادات وديانة عرب الشمال2.

وأيا ما كان الأمر، فإن الرواية العربية- كما أشرنا من قبل- تذهب إلى أنهم قد هاجروا من اليمن واستوطنوا أرض حوران3 حيث كان هناك قوم يعرفون "بالضجاعمة" من قبائل بني سليح بن حلوان من قضاعة، قد استقروا هناك، ورضخوا لحكم الرومان ودانوا بالنصرانية من قبل مجئ بني غسان، ثم اعترفت الدولة البيزنطية بهم ووضعتهم تحت حمايتها، واتخذتهم أعوانا لها ضد المناذرة والفرس، وكان ذلك في زمن الأمبراطور "أنستاسيوس" حوالي آخر القرن الخامس الميلادي، ومن ثم كانوا أول من شيد ملكا للعرب هناك4.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015