على وجه اليقين، فربما كان ذلك قبل سقوط القدس في أيدي الرومان على أيام الإمبراطور "فسباسيان" "69-79م"، ثم عمل هؤلاء اليهود بالتجارة وربما نشطوا في تهويد بعض السكان، وأن فريقا من هؤلاء اليهود، ربما رجعوا إلى القدس قبل تدميرها -المشار إليه آنفا- على يد "تيتوس" في عام70م1.
وعلى أي حال، فلقد بدأت تدمر تزداد قوة وشهرة منذ النصف الأول من القرن الأول قبل الميلاد، بسبب الأهمية التجارية والدبلوماسية لموقعها بين إمبراطوريتي الفرس والروم المتنافستين، ثم ساعد موقعها الجغرافي على عدم تمكن أي من الفريقين المتنازعين من سهولة الاستيلاء عليها2، وقد حاول "مارك أنطونيو" عام 41ق. م، الاستيلاء على خزائن المدينة ففشل، وإن أصابها منه ضرر كبير3 غير أن مدينة مهمة كتدمر، لها مال وثروة، وليس لها جيش قوي ضخم، ولا مجال لتكوين هذا الجيش فيها، لا يمكن أن تبقى في مأمن ومنجاة من مطامع الغزاة، ولو كانت في بقعة منعزلة، أو في بادية بعيدة4.
ومن هنا، فإن تدمر -على الأرجح- قد اعترفت بنوع من السيادة عليها للرومان، منذ أوائل العصور المسيحية، ودليلنا على ذلك المراسيم الإمبراطورية التي ترجع إلى عهد "تيبيريوس" "14-37م"5، والتي تتعلق بالرسوم الجمركية، وقد عثر في تدمر على قوائم ترجع إلى عام 17م، وتبين بعض الرسوم على البضائع أثمانها باليونانية والتدمرية6، هذا ويبدو أن تدمر قد أصبحت على أيام "فسباسيان" تحت الإشراف الروماني، وإن كان هذا لا يعني الخضوع لروما، أو أن الإشراف على الشئون المدنية بالمدينة، كان بأيدي الرومان، وإنما كان هناك إشراف رومي عام