ومع ذلك فهناك من يقدم لنا أبياتا من شعر "النابغة الذبياني"، يذهب فيه إلى أن المدينة من بناء جن سليمان، وفات أصحاب هذا الزعم أن النابغة لم يكن عالما من علماء التاريخ والآثار، حتى يكون شعره حجة في بناء مدينة يرجع ظهورها في التاريخ إلى أخريات القرن الثاني عشر، أو الحادي عشر قبل الميلاد، ثم من أدرانا أن هذا الشعر للنابغة الذبياني حقا، فإن من نسبوا شعرا إلى آدم وهابيل وقابيل، وإلى الجن وإبليس، أليسوا بقادرين على وضع شعر على لسان النابغة الذبياني1، وأما قصة بناء المدينة بأمر من امرأة تدعى "تدمر بنت حسان بن أذينة"، فليست إلا من هذا النوع من الكتابات التي ملأ الأخباريون بها صفحات كتبهم2.
ولعل "بليني" "32-79م" أول الكتاب الكلاسيكيين الذين أشاروا إلى تدمر، فوصفها بأنها مدينة شهيرة ذات موقع ممتاز، وأرض خصبة، وأن بها عيونا وينابيع، وتحيط بحدائقها الرمال، وأنها تقع بين الأمبراطورية الرومانية والفارسية، ومن ثم فقد اضطر أهلها -ضمانا لاستقلالهم- أن يقفوا موقف الحياد بين هاتين القوتين المتصارعتين، ثم تابع "بليني" من جاء من بعده من الكتاب، مما يدل على أن شهرة المدينة كانت في ازدياد3.
وأما أقدم كتابة عثر عليها في المدينة، فإنما ترجع إلى شهر نوفمبر من السنة التاسعة قبل الميلاد4، وإن كان قد عثر في مدينة "دورا" -وتقع في مكانها الصالحية الحالية- على العرات الأوسط تجاه تدمر، على نقش يعتبر من أقدم النقوش التدمرية التي كشف عنها حتى الآن، ويرجع إلى عام 33ق. م5، وفي هذا الوقت كانت تدمر مركزا تجاريا خطيرا بين دولتي الروم والفرس، ومع ذلك فإن أكثر ما نعرفه عنها إنما يرجع إلى ما بعد الميلاد، حيث لدينا نصوص إلى عام 271م6.