إلى الكرامة والشرف، فضلا عن تعارضها مع أخلاق قوم يصل بهم الحفاظ على العرض إلى ارتكاب أكثر الجرائم قسوة، حتى كان بعض منهم يلجأ إلى وأد بناتهم، خوفا من عار قد تجلبة هذه البنت أو تلك، إذا ما كبرت وتعرضت للسبي، وإلى هذا يشير القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ، يَتَوَارَى مِنَ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُون} 1.
ومنها "حادي عشر" أن القصة تصور القوم وكأنهم لا يثورون على هذا الوضع الدنيء، إلا بعد أن ظهرت "فضلا" أمام قومها وقد كشفت عن ساقيها، فيغضب أخوها، وهنا تذكرة أخته بأمر هذه الليلة، وكيف أنها سوف تزف ليلة عرسها إلى غير زوجها، ومن ثم فإن مالكا إنما يتذكر شرفه وشرف قومه المستباح، فيغضب ويقتل الفيطون، وهذا يعني ببساطة أن القوم ما كانوا يأنفون من أن ينتهك الفيطون أعراضهم، ولكنهم يثورون أشد الثورة إذا ما بدت ساقا أخت مالك هذا، أمام بعض رجالات قومها، فهل هذا صحيح؟ ثم كيف استطاع اليهود أن ينزلوا بالعرب كل هذا الهوان، وفي وسط بلاد العرب، أي في عرين الأسد كما يقولون؟
وهل صحيح أن اليهود كانوا بقادرين في أي فترة من فترات التاريخ أن يفعلوا بالعرب ما تصوره قصة الفيطون؟ إن التاريخ يحدثنا -واليهود يشهدون بذلك- أن العكس هو الذي حدث، وأن كل شعوب المنطقة إنما فعلت ذلك باليهود، فالفراعين يقتلون أبناءهم ويستحيون نساءهم2، والآشوريون والبابليون يأخذون نساء اليهود سبايا3، بل إن انتهاك أعراض اليهود إنما تم في مصر وفي فارس برض من اليهود أنفسهم، ونقرأ في كتاب يهودي، أن الإسرائيلي الذي كان يريد