والرأي عندي أن القصة مختلقة تمامًا؛ وذلك لأسباب منها "أولًا" أنها تتعارض مع حقائق التاريخ، تلك الحقائق التي لا تعرف لليهود في يثرب ملكًا، وبالتالي فليس هناك ملك يدعى الفيطون، وحتى لو وجد الشخص بذاته، فلا يعدو أن يكون رئيس قبيل، وفي أحسن الظروف زعيم يهود في يثرب، ومن ثم فليس صحيحًا ما ذهب إليه البعض من أن كلمة "الفيطون" إنما تعني "ملك"، وأنها تقابل النجاشي عند الأحباش، و"خاقان" عند الأتراك1.
ومنها "ثانيًا" أن تاريخ الغساسنة لا يعرف ملكًا باسم "أبي جبلة"، والذي يزعم الإخباريون أن "مالكان بن العجلان" قد لجأ إليه، يستنصره ضد يهود، ومرة أخرىن حتى لو عرف هذا الشخص بذاته، فربما كان واحدًا من المقربين لأمراء بني غسان، وإن صدقت "نسبة أبي جبلة" هذا إلى الخزرج، وأنهه رحل إلى الشام وأقام عند الغساسنة2، فأكبر الظن أن الرجل قد أصبح واحدًا من رجال البلاط الغساني، وربما كان ذا مكانة عند ذوي قرباه، ومنها "ثالثًا" أن بعضًا من المؤرخين -كالسمهودي- إنما ينكر هذه القصة، بل إن هذا الفريق من المؤرخين إنما يرى أن الفيطون كان يمارس هوايته الدنئية هذه في غير الأوس والخزرج، وعندا أراد ذلك مع بنات "بني قيلة" قتله مالك بن العلجان3، ومنها "رابعًا" أن بعضًا آخر من المؤرخين المسلمين -كابن هشان والواقدي والأصفهاني- إنما تجاهلوا الرواية تمامًا.
ومنها "خامسًا" أن الإخباريين لم يستقروا على رأي واحد، بشأن ذلك الذي لجأ إليه ابن العجلان، فبينما يذهب فريق إلى أنه "أبو جبلة"، كما رأينا، يذهب فريق آخر إلى أنه إنما كان "تبع الأصغر بن حسان"- الذي رأوا فيه "أسعد أب كرب" أو "تبع بن حسان" -ملك اليمن، وليس ملك غسان4، ومنها "سادسًا" ذلك الخلاف بين الأخباريين على جنسية الفيطون هذا، فهناك آراء ذهبت إلى أنه يهودي،