فضلا عن ظهور القرشيين وقيامهم برحلتي الشتاء والصيف المشهورتين، إلا دورا ثانويا، وهكذا تجمعت العوامل السياسية والاقتصادية معا على إهمال الزراعة وكساد التجارة، مما دفع بقبائل عربية غير قليلة إلى الهجرة إلى بلاد العرب الشمالية، وكان من بين المهاجرين الأوس والخزرج1.

ولعل من الأهمية بمكان الإشارة إلى أن القول بأن قبائل الأزد هاجرت دفعة واحدة، أمر غير مقبول؛ ذلك لأن خزاعة -وهي بطن من الأزد- كانت لا تزال تحكم مكة حوالي عام 450م، وكانت قد استمرت مدة طويلة تلي هذا الأمر- رأى البعض أنها حوالي ثلاثة قرون، ورأى آخرون أنها خمسة قرون- وهذا يعني أنها هاجرت من اليمن حوالي منتصف القرن الثاني، وربما منذ القرن الثالث، في عام 207م2.

وأيًّا ما كان الأمر، فإن الأخباريين يذهبون إلى أن الأوس3 والخزرج أخوان، فهما أبناء "حارثة بن ثعلبة العنقاء بن عمرو مزيقياء بن عامر ماء السماء بن حارثة الغطريف بن امرئ القيس البطريق، بن ثعلبة بن مازن بن الأز"4، الذي ينتهي نسبه إلى "يعرب بن قحطان"، ولكن القوم إنما كانوا ينسبون إلى أمهم "قيلة بنت الأرقم بن عمرو بن جفنة"، ولهذا كانوا يدعون "أبناء قيلة"، مما يدل على أن هذه المرأة إنما كانت تتمتع بشهرة عريضة، دفعتهم إلى الانتساب إليها5.

وعلى أي حال، فلقد أقام الأوس والخزرج في المدينة، وربما لم يكونوا في أول الأمر يملكون من القوة وكثرة العدد، بحيث يخشى اليهود بأسهم، هذا ويبدو أن اليهود قد عملوا على الإفادة من خبراتهم التي اكتسبوها منذ فترة طويلة، في مجال الزراعة والتجارة في مواطنهم القديمة في اليمن، ومن ثم فقد سمحوا لهم بالإقامة في

طور بواسطة نورين ميديا © 2015