يعلمها إلا هو -حرما آمنا للعرب وغير العرب، وبذلت قريش في المحاولتين جهدا لإخفاق الواحدة تلو الأخرى، وليس من شك في أن الأولى كانت أشد خطرا، وإن دفعت في الثانية ببعض رجالها، يقضون في سجون القيصر فترة لا ندري مداها على وجه التحقيق، ثم سرعان ما عادت الأمور إلى سيرتها الأولى1.
وبدهي أن هذه المحاولات -السياسية والعسكرية- إنما تثبت قيام كعبة الحجاز على كره من ذوي السلطان، في الجنوب والشمال، وفي كل الحالات استطاعت الكعبة أن تحتفظ بمكانتها، على الرغم من خلو مكة من العروش الغالبة على أنحاء الجزيرة بجميع أطرافها، بل لقد استطاعت ذلك لخلوها من تلك العروش، وقيام الأمر فيها على التعميم دون التخصيص، وعلى تمثيل جملة العرب بمأثوراتهم ومعبوداتهم، دون أن يسخرهم المسخرون، أو يستبد فيهم فريق يسخرهم تسخير السادة للأتباع المكرهين على الطاعة وبذل الإتاوة2.
وهكذا كان المكيون يشعرون بمكانة الكعبة عند العرب عامة، ومن ثم فقد كانوا يرون لأنفسهم ميزة لا يتطاول إليها غيرهم من العرب، لأنها تتصل بكرامة البيت الحرام وحرمته، فهم أولياؤه، وهم سدنته والقائمون بالأمر فيه، يسقون الحجيج ويطعمونهم، ويوفرون لهم الأمن والراحة، ومن ثم فقد نشأ عندهم ما يسمى بنظام "الحمس"3، ويعنون به ابن البلد، وابن الحرم، والوطني المقيم، والذي ينتمي إلى الكعبة والمقام، فهو امتياز لأبناء الوطن وأهل الحرمة وولاة البيت، وقطان مكة وساكنيها4، ومن ثم فقد نادوا بين الناس، "نحن بنو إبراهيم وأهل