تعالى: {إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ، فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} 1.
وليس هناك من شك في أن القرآن الكريم، كمصدر تاريخي، أصدق المصادر وأصحها على الإطلاق، فهو موثوق السند -كما بينا آنفًا- ثم هو قبل ذلك وبعده كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ومن ثم فلا سبيل إلى الشك في صحة نصه2 بحال من الأحوال، لأنه ذو وثاقة تاريخية لا تقبل الجدل، فقد دون في البداية بإملاء الرسول -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتلي فيما بعد أمامه وحمل تصديقه النهائي قبل وفاته3، ولأن القصص القرآني إنما هو أنباء وأحداث تاريخية، لم تلتبس بشيء من الخيال، ولم يدخل عليها شيء غير الواقع4، ثم إن الله -سبحانه وتعالى -قد تعهد- كما أشرنا آنفًا- بحفظه دون تحريف أو تبديل، ومن ثم فلم يصبه ما أصاب الكتب الماضية من التحريف والتبديل وانقطاع السند، حيث لم يتكفل الله بحفظها، بل وكلها إلى حفظ الناس، فقال تعالى: "والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله"، أي بما طلب إليهم حفظه5.
غير أني أود أن أنبه -بعد أن أستغفر الله العظيم كثيرًا- إلى أن القرآن الكريم لم ينزل كتابًا في التاريخ، يتحدث عن أخبار الأمم، كما يتحدث عنها المؤرخون، وإنما هو كتاب هداية وإرشاد للتي هي أقوم، أنزله الله سبحانه وتعالى ليكون دستورًا للمسلمين، ومنهاجًا يسيرون عليه في حياتهم، يدعوهم إلى التوحيد، وإلى تهذيب النفوس، وإلى وضع مبادئ للأخلاق، وميزان للعدالة في الحكم، واستنباط لبعض الأحكام، فإذا ما عرض لحادثة تاريخية، فإنما للعبرة والعظة6.
إلا أن القرآن الكريم -مع ذلك- إنما يقدم لنا معلومات مهمة عن عصور ما قبل الإسلام، وأخبار دولها، أيدتها الكشوف الحديثة كل التأييد، كما أننا نجد في