من أبناء كوش، بينما جعلت المستوطنين منهم في آسيا على فريقين، الواحد ينتمي إلى يقطان والآخر إلى يقشان، ومن ثم فقد صار السبئيون فرقًا ثلاث، طبقًا لأماكن استقرارهم1.
ولست أدري كيف قبل هذا الفريق من العلماء هذا التقسيم لشعب واحد، إلا أن يكون الإيمان بحرفية ما جاء في التوراة هو السبب، حتى إن كان الذي جاء فيها يخالف المنطق، فضلا عن حقائق التاريخ وعلم الأجناس، وإلا فخبرني بربك، كيف قبل هذا الفريق من علماء التوراة، أن يكون السبئيون حاميين وساميين في نفس الوقت، وأن يكونوا من ولد يقشان ويقطان في الوقت نفسه مرة أخرى. ثم ألم يرجع سفر التكوين نفسه الكنعانيين إلى حام، وذلك حين تعمد اليهود في توراتهم -كما يقول كارل بروكلمان -إقصاء الكنعانيين عن الانتساب إلى سام بن نوح، لأسباب سياسية ودينية، مع أنهم كانوا يعلمون ما بينهم وبين الكنعانيين من صلات عنصرية ولغوية2، والأمر كذلك بالنسبة إلى المصريين الذين جعلوهم من الحاميين "بنو حام كوش ومصرايم وفوط وكنعان"3.
إذن: فالأمر متعمد سببه العداء التقليدي الذي يكنه اليهود للمصريين بخاصة، والعرب بعامة4، وليس أدل على ذلك من أن سكان واحة ديدان، والذين كانوا يتألفون من طائفتين، أولاهما من أهل البلاد الأصليين، والثانية هي الجالية السبئية التي هاجرت من جنوب بلاد العرب5، تنظر إليهم التوراة مرة على أنهم من الكوشيين من جنوب بلاد العرب6، ومرة أخرى من السلالة السامية من ولد إبراهيم من زوجة قطوره7، مما يدل على الإصرار- فضلا عن الاضطراب- على أن السبئيين من كوش من ولد حام.