أما أن سبأ هو "عبد شمس بن يشجب بن يعرب بن قحطان"، فقد جاء ذلك في كتابة حفرت على نحاس في مجموعة "P Lamare"، وإن كان العلماء لم يقولوا حتى الآن الكلمة النهائية في نوع الكتابة وزمانها1، وأما سبب التسمية كثرة الغزو والسبي حتى وصلت غزواته إلى بابل وأرمينية في آسيا، ومصر والمغرب في أفريقيا، فإن ذلك لم يحدث إلا في خيال "ابن منبه" ومن دعوا بدعوته، فضلا عن أن تاريخ تلك البلاد لم يعرف سبأ هذا، ولم يشر إليه، حتى مجرد إشارة، في النصوص التي ملأت آثار تلك البلاد، وإن كان أصحاب تلك البلاد قد عرفوا السبئيين في فترات متأخرة من حضارتهم، على أنهم من تجار البخور واللبان وغيرهما من مستلزمات المعابد القديمة، وليس غزاة يحتلون البلاد ويبنون المدن.
وأما الدعوى بأن سبأ كان مسلمًا، وأنه بشر بمبعث المصطفى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فليست إلا من هذا النوع من الخيال الذي سوف يجعل "سيف بن ذي يزن" يبشر بعد ذلك بمبعث المصطفى، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وإن كنت لا أدري- ولا أظن أن الذين كتبوا ذلك كله يدرون- على أي ملة كان إسلام "سبأ" هذا؟
صحيح أننا نعرف أن الإسلام، في لغة القرآن الكريم2، ليس اسما لدين خاص وإنما هو اسم للدين المشترك الذي هتف به كل الأنبياء، وانتسب إليه كل أتباع الأنبياء3، ومن ثم فإن الإسلام شعار عام يدور في القرآن على ألسنة الأنبياء وأتباعهم منذ أقدم العصور التاريخية إلى عصر البعثة المحمدية4.
وسؤال البداهة الآن: هل كان سبأ يعي كل هذا؟ حتى يصبح مسلمًا -كما يقدم القرآن الإسلام -ثم كيف عرف سبأ ببعثة مولانا وسيدنا رسول الله، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، حتى يتنبأ بها قبل حدوثها بمئات السنين، ثم يقول فيها شعرًا، وهل عرف رواة الشعر، أن عربية الجنوب تختلف كثيرًا عن عربية الشمال5.