وإن كنا لا ندري متى بدأ هذا التقليد، وعلى أي حال، فلقد استمر ذلك حتى القرن الثاني الميلادي، فيما يرى "أولبرايت"، أو بالتحديد إلى عام 200م، فيما يرى "ريكمانز"1، ومنها "ثالثًا" أن هذا المكان ربما كان من الأماكن المقدسة عند القوم، أو على الأقل ذا مكانة خاصة جرت العادة على أن يتوج الملوك فيه2.
وهناك نصوص تفيد أن "العزيلط" "وربما كان العزيلط الثاني" قد استقبل وفودًا من الهند ومن تدمر ومن الآراميين، بل إن الكتابة المعروفة ب"جام919" تتحدث عن مرافقة عشر نساء قرشيات له إلى حصن أنود، مما يدل على أن ملك حضرموت كانت له علاقات ودية -وربما تجارية في الدرجة الأولى- مع الهند وتدمر والآراميين، كما أن ذكر قريش هنا- إن كان المقصود بها قريش المعروفة صاحبة مكة- يعد أقدم ذكر لها في وثيقة مدونة، وإن كنا لا ندري ما هي صفة هؤلاء النسوة القرشيات3.
وإنه لمن الأهمية بمكان الإشارة إلى أن نقش "فلبي84" ذي الأهمية الخاصة بالعاصمة "شبوة"، حيث يتحدث فيه صاحبه "يدع إل بين بن رب شمس" بأنه من أحرار يهبأر -أي من صرحاء القبيلة- وأنه قد عمر مدينة شبوة وأقام بها، وبنى معبدها من الحجارة بعد الخراب الذي حل بها، وأنه -احتفالا بهذه المناسبة- قد أمر بتقديم القرابين في حصن أنود، فذبح "35 ثورًا، 82 خروفًا، 25 غزالًا، 8 فهود"4.
ومن أسف أن الملك الحضرمي لم يحدثنا عن سبب هذه المأساة التي حلت بشبوة، ومن ثم فقد تضاربت آراء الباحثين حوله، فذهب نفر منهم إلى أن ذلك إنما كان لأن سبأ قد استولت عليها، وأن قتالا ضاريًّا قد وقع بين الفريقين، بذل فيه "يدع إل بين" كل ما استطاع حتى لا تقع المدينة في أيدي الغزاة، ومن ثم فقد كان خراب المدينة وتدمير معبد الإله "سين" بها.