هذا وقد عرفنا عن طريق الوثائق الصفوية أن الصفويين هم وحدهم الذين نعرف عنهم شيئًا قبل أن يمتزجوا في الشعوب السامية الشمالية، إذ ظلوا محتفظين بالخط السامي الجنوبي واللغة السامية الجنوبية والعقائد السامية الجنوبية1 بل استطعنا أن نعرف عن طريق الجعارين المصرية، والأختام الساسانية، التي وجدت طريقها إلى بلاد العرب الجنوبية، أن نستنتج أن التبادل بين بلاد العرب الجنوبية وبين البلاد الأخرى، لم يكن مقصورًا على التجارة فحسب، بل تعداها إلى الفنون كذلك، وقد تركت هذه الفنون الأجنبية أثرها في الفن العربي الجنوبي2.
على أنه يجب أن نلاحظ أن في هذه المصادر الأثرية نقاط ضعف كثيرة، منها "أولًا" أنها في معظمها تتشابه في مضمونها وفي إنشائها، لأنها تتعلق بأمور شخصية، كإنشاء بيت أو بناء معبد أو إقامة سور، ومن ثم فقد كانت أهميتها لغوية أكثر منها تاريخية، ولكنها في الوقت نفسه، قد أمدتنا بأسماء عدد من الملوك، لولاها لما عرفنا عنهم شيئًا، كما قدمت لنا بعض المعلومات عن العلاقة بين القبائل بعضها بالبعض الآخر، ومن هذا النوع نقش Cih.1450"" والذي يتحدث عن حرب دارت رحاها بين قبائل حاشد وحمير في مدينة "ناعط"3.
ومنها "ثانيًا" أن معظمها قد وجد في المعابد والقبور، ومن ثم فهي ذات صبغة دينية، ومنها "ثالثًا" أن النصوص اللحيانية عبارة عن "مخربشات" صغيرة، وبعضها -كما في النصوص المعينية الشمالية- ليست نقوشًا كاملة، وإنما هي أجزاء من نقوش، ذلك لأن معظم الأحجار التي دونت عليها النقوش إنما وجدت في غير أماكنها الأصلية، وقد استخدمها القوم أخيرًا كمواد للبناء، ومن ثم فقد وجدت في جدران المنازل وأسوار الحدائق في مدينة "العلاء"، وانطلاقًا من هذا، فإن الفائدة منها جد قليلة، كما أن قلة من العلماء هي التي كانت قادرة على ترجمتها، ومع ذلك فقد أفادتنا في معرفة أسماء بعض الآلهة4.
ومنها "رابعًا" أن الكتابات المؤرخة منها قليلة، ومن ثم فلم تهدنا إلى تقويم