كما يفهم من عباراته وعن ممالك حاصور" والتي كانت تتاخم "قيدار"، ولعلها كانت في البادية1، وأن سكانها كانوا على خلاف أهل الوبر، يسكنون في بيوت ثابتة، كما كانت تقع في جنوب فلسطين أو شرقيها2، ومن هنا فلست أدري كيف جعل المؤرخون المسلمون "حاصور" هي "حضور" وأنها في اليمن -وليست في فلسطين- وأن "نبوخذ نصر" إنما غزاهم حماية للدين الحنيف، وانتقامًا لقتل الأنبياء، وهو نفسه كافر بهذا وذاك، ومن ثم فربما كان السبب في هذا الاضطراب -فيما يرى الدكتور جواد علي- أن حربًا قديمة ماحقة، أو كوارث طبيعية حدثت في حضور اليمن، وتركت أثرًا عميقًا في ذاكرة القوم، ثم جاء الأخباريون، وخاصة أولئك الذين لهم صلة بأهل الكتاب، فوجدوا شبهًا بين "حاصور" و"حضور"، وظنوا أن ما رواه "إرمياء" عن حاصور، إنما كان عن "حضور" اليمن، ثم أضافوا إليها ما شاء الله لهم أن يضيفوا على طريقتهم في هذا المجال3.

ومنها "تاسعًا" أن قصة الغزو البابلي لبلاد العرب هذه، لم تكتف بترديد نبوءات إرمياء -كما جاءت في التوراة، وكما أشرنا إليها آنفًا- وإنما قد اختلطت فيها كذلك فتوحات "نبونيد" "555-53ق. م" في بلاد العرب، عندما أخضع أدومو وتيماء وديدان وخيبر ويثرب4، بفتوحات "نبوخذ نصر"، وإن كان هذا لا يمنعنا من القول بأن "نبوخذ نصر" قد أرسل حملة في العام السادس من حكمه "605-592ق. م" إلى سكان البادية، دون تحديد لبادية معينة، أو قبيلة بذاتها، وأن الحملة قد نجحت في نهب مواشي القوم وأخذ أصنامهم5.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015