إلى ذلك كله، أن الرواية العربية إنما هي متأثرة بروايات تذهب إلى أن الموطن الأصلي للساميين إنما كان في بابل، بل ربما كانت أساسًا لنظريات حديثة تنحو هذا النحو1.
وعلى أي حال، فالعماليق -في نظر التوراة- من أقدم الشعوب التي سكنت جنوب فلسطين، وقد عدهم "بلعام" أول الشعوب2، ربما لأنهم كانوا أول من اصطدم بالإسرائيليين في أثناء التيه في صحراوات سيناء، ومن ثم فليس صحيحًا ما ذهب إليه البعض -طبقًا لرواية توراتية-3 من أنهم من سلالة "اليعازر بن عيسو" جد الآدوميين4، وحفيد إبراهيم، ذلك لأن هناك نصًّا تواراتيًّا آخر يجعلهم يقيمون في جنوب غرب البحر الميت على أيام الخليل إبراهيم5، وأنهم كانوا على أيام موسى الكليم منتشرين في كل صحراء التيه حتى حدود مصر، وفي معظم سيناء، وجنوب فلسطين، كما كان هناك "جبل العمالقة" في أرض أفرايم6.
وليس هناك من شك في أن الصدام الحقيقي بين اليهود والعماليق إنما بدأ في المرحلة الأولى من التيه7، ونقرأ في التوراة أن العمالقة قد هاجموا بني إسرائيل المنهكين عند خروجهم من مصر وأسروا جميع مقاتليهم8، كما نقرأ كذلك في التوراة9 أن العماليق قد أتوا لمحاربة بني إسرائيل في "رفيديم"، حيث ضرب موسى الحجر بعصاه، فانبثقت منه اثنتا عشرة عينًا، ويذهب "يوسف بن متى" المؤرخ اليهودي، إلى أن الإسرائيليين حينما وصلوا إلى "رفيديم" كانوا في حالة يرثى لها من العطش، ومن ثم فقد كان هجوم العمالقة عليهم ناجحًا10.
وعلى أي حال، فإذا كانت "رفيديم" والتي أطلق الإسرائيليون عليها "مريبة" -وكذا قادش القريبة منها- تقعان حول البتراء، فهما إذن في جوار أرض العماليق