والذي يتبين من هذا أنك إذا أردت أن (تقسم) المال مثلاً على جماعة فتجعل لكل فرد نصيباً قلت: (قسمت المال بين هؤلاء) أو (قسمت المال على هؤلاء) . أي فرّقته بينهم. قال الجاحظ في كتابه (حجج النبوّة) : (يجعل فضله مقسَّماً بين جميع الأولياء) . وقال في كتابه (التربيع والتدوير) : (أو الدول بينهما مقسومة وعليهما موقوفة) . وقال فيه: (وزعم آخرون أن الخير والشر عليهما مقسومان) وقد تقول (قسَّمته فيهم) . ففي محاضرات الأدباء للراغب (3 / 294) :
في الناس طُراًُ لتمَّ الحسن في الناس) .
لو قسَّم الله جزءاً من محاسنه
وقال عروة بن الورد:
وأحسو قَراح الماء والماء بارد
أقسِّم جسمي في جسومٍ كثيرة
قال ابن السكيت: (قوله: أقسَّم جسمي، الجسم ها هنا طعامه، يقول أقسم ما أريد أن أطعمه في محاويج قومي، ومن يلزمني حقه والضيفان. وأحسو قراح الماء، والماء القَراح الذي لا يخالطه لبن ولا غيره، والماء البارد أي في الشتاء / 52) .
على أن لك أن تعدّي الفعل بـ (إلى) أيضاً إذا أردت معناها، كأن تروم بيان الأجزاء التي انتهت إليها القسمة. فانظر إلى قول الإمام أبي حيان في البحر المحيط: (وافتراق الناس إلى ثلاث فرق) . ولو أحللت (الانقسام) محل (الافتراق) لكان الكلام (وانقسام الناس إلى ثلاثة أقسام) . وتأويله: أنهم قد انتهوا في افتراقهم أو انقسامهم إلى ثلاث شعب. و (إلى) ها هنا لانتهاء الغاية، وهو رأس معانيها وملاكه، فإذا قلت (قسمت كتابي إلى ثلاثة أبواب) أردت أن الكتاب قد انتهى بهذه القسمة أو صار إلى هذه الأبواب الثلاثة، وكله صحيح على تأويله وبابه. وانظر إلى ما قاله ثعلب في تفسير قوله تعالى ?انطلقوا إلى ظلٍ ذي ثلاث شعب ـ المرسلات / 30?: (يقال أن النار يوم القيامة تنفرق ثلاث فرق، فكلما ذهبوا أن يخرجوا إلى موضع ردتهم..) على ما جاء في التاج، وقد جاء ذلك في اللسان فزاد في روايته (إلى) أي (تنفرق إلى ثلاث فرق) .