أقول إذا اتفق قول صاحب العين (الكشف رفعك عن الشيء ما يواريه ويغطيه) كما حكاه ابن سيده في المخصص (13 / 144) ، فقد أردف: (وكشفت الأمر أكشفه كشفاً: أظهرته) . وحكى ابن سيده عن أبي زيد أيضاً (جلوت الأمر وجلَّيته وجلَّيت عنه: كشفته وأظهرته، وقد انجلى وتجلَّى) . وقال ابن منظور في اللسان: (وكشف الأمر يكشفه كشفاً: أظهره) .
وهذا يعني أن للفعل منحى آخر يتعدى فيه بنفسه إلى (المجهول أو المخفي) ، تقول: (كشفت الأمر إذا جلوته وأظهرته) . فإذا كان (كشفت الغطاء عن المجهول) هو الأصل، فكيف تفرُع عليه هذا؟.
أقول: الأصل قولك (كشفت الحجاب عن المجهول) ، ولك أن تقول: (كشفت حجاب المجهول) ، فإذا عرفت أن (الحجاب) يلازم (المجهول) ، واعتذرت بهذا فاستغنيت عنه بذكر (المجهول) حذفت المضاف فقلت (كشفت المجهول إذا أظهرته. وأكثر ما يكون الاستغناء عن (الحجاب) أي المضاف ها هنا، إذا كان الحاجب دون المجهول هو الغموض والخفاء والجهل والضياع، فيكون معنى كشف المجهول هو الاهتداء إليه وإظهاره. وحذف المضاف في القرآن والشعر، وفصيح الكلام في عدد الرمل سعة، أستغفر الله وربما حذفت العرب المضاف بعد المضاف مكرراً أنساً بالحال ودلالة على موضوع الكلام، كما قال أبو الفتح (المحتسب ـ 1 / 188) فعلى هذا القول ابن جني في المحتسب (1 / 239) : (وكشفت هذا الموضع يوماً لبعض ما كان له مذهب في المشاغبة) . وقول جُرَيبة الفقعسي:
من العار أوجُههم كالحُمم
هم كشفوا عيبَة العائبين
قال المرزوقي في شرح الحماسة (774) : (وقولهم هم كشفوا عيبة العائبين ... أي أظهروا من عيب من كان يطلب عيبهم، ما كان خافياً.. فكأنهم كشفوا عيابهم المنطوية على عيوبهم فأسودّت وجوههم بما غشيها من العار، حتى صارت كالحُمم) .
والعيبة هنا موطن العيوب ومودعه. وانظر إلى قول أبي الحجناء: (شرح الحماسة / 923)
ولا يكشف الفتيان غير التجارب
وجرَّبتُ ما جربت منه فسّرني
أي يكشف دخيلتهم.