وقد اكتشف فلندرز بترى1 أوراق بردي مصرية يرجع تاريخها إلى أربعة آلاف سنة قبل الميلاد، وتتضح فيها الحاسة الصحفية لإثارة الميول عند القراء، وجذب انتباههم وتحريك الشوق فيهم. ومن الوثائق الهامة في وسائل الإعلام لائحة منقوشة على واجهة معبد هيبيس تضمنت القانون الذي يجب أن يرعاه الحاكم والمحكوم ضمانا لحسن سير العدالة وأيضا لقواعد جباية الأموال وإنذارا بالعقاب عن الجرائم المتفشية وأهمها الرشوة والبلاغ الكاذب.
ولعل الصورة الأولى لإذاعة الأخبار منسوخة باليد في أوروبا قد عرفت عند الرومان فيما كان يعلق من تعليمات رسمية بشكل نشرات حكومية تبقى معلقة طول اليوم في الميادين الهامة لتبين للناس ما يجري من أحداث. ولما كانت هذه النشرات المنسوخة تصور يوميا فقد سميت بالوقائع اليومية2 كما سمي كتابها بالوقائعيين3. ويبدو أن هذه الوقائع الرسمية المنسوخة التي أخذت تنتشر في روما على عهد يوليوس قيصر سنة 59 قبل الميلاد كان يمكن الحصول على نسخ منها لقراءتها في البيوت بعيدا عن الميادين العامة التي كانت تلصق فيها هذه النشرات عند مفترق الطرق. فقد أشار جيوفينال إلى أن سيدة كانت تمضي الصباح في قراءة الصحيفة في بيتها4.
واستغل يوليوس قيصر الوقائع الرسمية في تسجيل نشاط مجلس الشيوخ وعرض أعمال أعضائه وأقوالهم على الجمهور. وقد أراد يوليوس قيصر بهذا العمل أن يسلط الأضواء على تصرفات أعضاء المجلس حتى يسلكوا سبيلا يليق بهم ويتناسب مع النشر والإذاعة على الناس، وبهذه الطريقة يحرز المحسن ثناءه ويلقى المسيء جزاءه. وما لبثت الوقائع الرسمية الرومانية أن أصبحت سجلا حافلا بأخبار المحاكم والحروب وأنباء الزواج والوفيات والمواليد والطلاق والقتل والجريمة. كما اهتمت برواية الغرائب والعجائب والشذوذ.
ومع أن الصين قد عرفت الصحافة المطبوعة في القرن السابع الميلادي على عهد أسرة تانج5، فلم تظهر الصحافة في أوروبا إلا في القرن السادس عشر ولم يبدأ انتشارها إلا في القرنين السابع عشر والثامن عشر.