التاريخ استطاع ماركوني أن يجعل الاتصال اللاسلكي ممكنا. ولم تمض ثلاثون سنة على نفس التاريخ حتى أصبحت الأفلام الناطقة وسيلة للأخبار والتسلية، كما أصبح التليفزيون وسيلة محبوبة في بلاد كثيرة.
وفي نفس هذه الحقبة، أخذت الحكومات تعترف بمسئوليتها في التعليم ومحو الأمية، وأنشئت المدارس الابتدائية والالزامية على نطاق واسع بعد سنة 1870. ولا شك أن محو الأمية قد ساعد على انتشار الصحافة، وألزم الصحف باتخاذ أساليب جديدة، وفنون حديثة للاتصال بهذه الجماهير العريضة التي محيت أميتها، وكان من الضروري أن تجد في الصحافة مجالا للاطلاع والقراءة.
فشهدت هذه الحقبة مولد الفن الصحفي الذي يتوجه إلى الجماهير العريضة بلغة سلسلة سهلة، وفنون طباعية تؤكد المعاني إلى جانب الكلمة البسيطة.
ولا شك أن استخدام طابع البريد ذي الثمن الزهيد، والمكتبات الشعبية الحرة، وتوفير المواد المطبوعة طبعا أنيقا بالألوان، والتعبير عن الأفكار والمشاعر بطريقة بيانية طباعيا كل ذلك كان يسير جنبا إلى جنب مع تقدم طرق المواصلات ووسائل الاتصال السلكية واللاسكية. ففي مستهل القرن العشرين تزايد عدد القراء حتى أصبح يحصى بالملايين وأصبح للفن الصحفي لغته الخاصة وأساليبه الفنية لسد حاجات هؤلاء الملايين. ولم يلبث هذا الفن الصحفي نفسه أن أصبح مؤثرا على الحضارة، فأسهم في إدخال أساليب جديدة للسلوك، وعادات جديدة، ومواقف اجتماعية مستحدثة.
وقد ذهب العالم الأمريكي مارشال ماكلوهان إلى حد إسناد روح الفردية وروح القومية إلى اختراع جوتنبرج للحروف المتحركة وتنفيذها في أسطر مكونة من كلمات متتابعة. وهو يرى أن الحضارة تشتق طابعها من وسيلة الإعلام. فهو يقول إن الطباعة قد أدت إلى تفجيرات في المجتمعات فأصبحت فردية ومجزأة. وبفضل الكهرباء والتليفزيون، انتعش الإحساس الجمعي والشعور بالعالمية.