"الفلان"1 التي تعد للصب والطبع فورا. وهكذا دخل الفن الصحفي في طور الإنتاج الضخم المموحد، شأنه شأن الإنتاج الاقتصادي في معظم الشركات الكبرى.
وقد كانت الصحف العربية الصادرة في العصر العثماني كالوقائع المصرية والزوراء العراقية وغيرهما نصفية الحجم، ولكن ذلك لم يكن سوى مظهر من مظاهر السذاجة في الإخراج، ثم جاءت الصحف الشعبية مقلدة لهذا الحجم النصفي في بادئ الأمر، وأخذت تتطور بعد ذلك حتى وصلت إلى الحجم العادي. وهناك بعض الصحف النصفية التي صدرت في فترة ما بين الحربين العالميتين مثل "السياسة الأسبوعية" التي ظهرت سنة 1926، و"الصرخة" الصادرة سنة 1933 عن حزب مصر الفتاة، الذي أصدر أيضا "الضياء" و"الثغر" و"مصر الفتاة" -وكلها صحف نصفية. وهناك أيضا "آخر لحظة" التي كانت ملحقا لمجلة آخر ساعة، وكانت ذات حجم نصفي منذ ظهورها سنة 1949 ثم استقلت عن آخر ساعة وكانت تصدر مرتين فثلاث أسبوعيا.
ويبدو أن الأحزاب السياسية قد اختارت هذا الحجم النصفي. فظهرت "الاشتراكية" عن حزب مصر الفتاة الذي تحول إلى الحزب الاشتراكي، و"اللواء الجديد" عن الحزب الوطني سنة 1951، و"الدعوة" عن الإخوان المسلمين، ويلاحظ أن الصحف الجامعية كانت تفضل هذا الحجم النصفي أيضا مثل صحيفة "صوت الجامعة" التي أصدرها قسم الصحافة بجامعة القاهرة سنة 1956 وكتب مقالها الافتتاحي الأول الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وأخذت الكليات الجامعية الأخرى تقلد قسم الصحافة في نفس الاتجاه إلى الحجم النصفي.
ومن الطريف أن بعض الصحف قد بالغ في كبر الحجم في وقت رخص فيه الورق، كصحيفة الأهرام التي بلغ طول صفحتها 70 سم وعرضها 52 سم، وذلك سنة 1897. وذهبت بعض الصحف الأجنبية إلى حد المبالغة في الحجم مثل صحيفة "جورنال أوف كومرس"2 الأمريكية التي كانت تصدر سنة 1853 بمدينة نيويورك، وقد بلغ طول صفحاتها 125 سم وعرضها 87.5 سم، واستحقت هذه الصحيفة وأمثالها أن يطلق عليها اسم صحافة البطاطين3. وقد وصل عدد الأعمدة في هذه الصحف إلى أكثر من أحد عشر عمودا.