بالمنطق الشكلي الجامد، وإنما بالمنطق النفسي الإنساني. فالمقال حديث يوشك أن يكون عاديا، يعرض الكاتب فيه على قرائه فكرة أو اتجاها، كما يعرض لموضوع من الموضوعات التي يزجي بها وقت الفراغ من بعض الجلساء.
أليست هذه الصفات تتطلب اعترافا بقيمة الفكر والرأي؟ أليست تتضمن احتراما لشخصية الكاتب والقارئ على السواء؟ أليست تنطوي على معنى الحرية والمناقشة والحوار؟ أنها تفتح مجالا للتفكير والمسامرة والتوجيه والإرشاد والترفيه والتسلية والتجربة والتعليم والتنشئة الاجتماعية -وهي جميعا- أهداف الفن الصحفي نفسه، كما سبق القول.
ولعل أشهر تعريف للمقال1 ما ذهب إليه الدكتور جونصون، وهو يتفق مع ما أشرنا إليه من قبل "المقال وثبة عقلية لا ينبغي أن يكون لها ضابط من نظام، وهو قطعة إنشائية لا تجري على نسق معلوم، ولم يتم هضمها في نفس صاحبها، أما الإنشاء المنظم فليس من المقال في شيء".
وفي تعريف آخر2: "المقال هو الإنشاء المتوسط الطول، يكتب نثرا عادة، ويعالج موضوعا بعينه بطريقة بسيطة موجزة على أن يلتزم الكاتب حدود هذا الموضوع، ويكتب عنه من وجه نظره هو". وما كان المقال، الذي هو أصلا اتجاه ذاتي -عندما يكون المقال أدبيا- أو وثبة ذهنية أو وجهة نظر خاصة بصاحبها، أو مسامرة طريفة تنم على شخصية قائلها، ليجد بيئة أكثر ملاءمة من بيئة عصر النهضة. وليست كذلك مجرد صدفة أن يكون أول من يكتب في هذا الفن اثنان من أئمة عصر النهضة هما: مونتاني3 وبيكون4. كما وجدنا أيضا أن أئمة عصر التنوير المصري والنهضة السياسية والاجتماعية من أمثال رفاعة الطهطاوي والنديم ومحمد عبده وأحمد لطفي السيد وقاسم أمين ومحمد حسين هيكل هم أنفسهم أعظم كتاب المقال المصري.