والصحافة الحديثة. ففي سنة 1855 ظهرت صحيفة "ديلي تلجراف" وثمن النسخة منها بنس ونصف فقط. ثم ظهرت صحف أخرى زهيدة الثمن مثل ديلي نيوز1 سنة 1868، ومورننج بوست2 سنة 1881، وديلي كرونكل سنة 1877.
غير أن الثورة الحقيقية في الفن الصحفي الإنجليزي كانت على يد اللورد نورثكليف الذي أصدر صحيفة ديلي ميل3 سنة 1896 وثمنها نصف بنس، فكانت ثورة جديدة في التحرير والإخراج، ثم ما لبثت أن تبعتها صحف أخرى أهمها ديلي إكسبريس4 التي صدرت سنة 1900.
وقد أتاح نمو التعليم وخاصة بعد سنة 1870 زيادة عدد القراء، فكان ظهور الصحافة الشعبية بعد ذلك ثمرة للتحضر، والازدهار الصناعي والعلمي، وانتقال السكان من الريف إلى الحضر، ولا شك أن تجانس سكان بريطانيا، وصغر مساحتها، وتقدمها الاقتصادي والصناعي، وارتفاع مستواها الحضاري، يجعل صحافتها في مقدمة صحف العالم.
ولكنها عانت هي الأخرى من السقوط في تيار الصحافة الصفراء، وغرقت بعض الصحف -ولا تزال- في تيار الفضائح والعنف والجنس والجريمة. كما اتضحت ظاهرة الاحتكارات الصحفية الكبرى عقب الحرب العالمية الأولى، وبلغت ذروتها سنة 1930. غير أن قمة الاحتكار قد ظهرت عندما اشترى اللورد طومسوز -المليونير الكندي المشهور- صحيفة التيمس5 الإنجليزية، التي كانت دائما بمثابة مؤسسة حضارية كبرى، يزهو بها الإنجليز، ويضعونها في صف البرلمان والجامعة. ولكن من الطريف أن هذه الجريدة العتيدة، قد مسها تيار الفن الصحفي، وأخذت تجدد من نشاطها، وتتبع أساليب حديثة في الإخراج، كما أنها نأت عن التقليد الراسخ الذي كان يقضي بوضع الإعلانات في الصفحة الأولى، واتبعت أسلوبا جماهيريا جديدا، يجعل للخبر الصحفي مكانه الطبيعي اللائق به في الصفحة الأولى.