العموم البريطاني قوة مرهوبة الجانب تحارب الملك وتنتصر عليه وعلى أعوانه. على أن أهم تجديد ابتكرته "اليومية الكاملة" هو نشر عدة رسوم مختلفة تمثل أعضاء مجلس العموم أثناء انعقاد الجلسات، وكانت هذه الخطوة الجريئة وثبة رائعة في الشجاعة السياسية من جهة وفي الفن الصحفي من جهة أخرى. ولا شك أن انتشار الصحافة البرلمانية في تلك الحقبة كان يقصد منه تعبئة الجماهير ضد الملكية، وانتهى الأمر بأن قدمت "اليومية الكاملة" تقريرا صحفيا عن إعدام الملك شارل الأول سنة 1649، بفصل رقبته عن جسده بالبلطة التي أهوى بها الجلاد، والملك راكع فوق صخرة الإعدام.

ولم يكد ينتصر كرومويل في ثورته ضد الملك، حتى قلب ظهر المجن للصحافة، وأخذ يضيق على حريتها، وأصبح نشر المحاضر البرلمانية محظورا، وذلك حتى القرن الثامن عشر، عندما استطاع الصحفي الإنجليزي ويلكيز أن يحبط محاولة أعضاء مجلس العموم لمعاقبة الصحفيين واضطهاد الطابعين. وقد وصل هذا الصحفي إلى منصب "عمدة مدينة لندن" وأعلن أن القبض على رجال الصحافة يعد خرقا لحقوق الأفراد، والامتيازات المرعية التي يتمتع بها كل مواطن. وقد حذا أعضاء مجلس مدينة لندن حذو زميلهم ويلكيز عندما عرضت عليهم قضايا الصحفيين، فتقرر حبس اثنين منهما في قلعة لندن، حيث أحاطهما الشعب بالتكريم والتأييد والهتاف، فأقيمت الحفلات وأعدت الولائم، وقدمت الهدايا، فكان ذلك انتصارا للصحافة وتمجيدا لها وتأكيدا لحريتها في نشر الماجريات البرلمانية ونقد الحكومة.

والحق أن ويلكيز كان يؤمن إيمانا راسخا بحرية الصحافة. فهو يكتب في صحيفة "ذي نورث بريتون"1 أن حرية الصحافة حق طبيعي لكل مواطن؛ لأنها أقوى دعامة لحماية الحريات في البلاد، وكم أفزعت الصحافة الوزراء المفسدين، وكشفت خططهم الخطيرة، ومؤامراتهم الدنيئة، وتخاذلهم وخداعهم! إن الصحافة تستطيع أن تكشف النقاب عن هذه الأشياء جميعا، وتعرض أعمال

طور بواسطة نورين ميديا © 2015