"كذب والله وافترى علينا من يقول عنا إننا نقدم القياس على النص وهل يحتاج بعد النص إلى القياس وكان يقول نحن لا نقيس إلا عند الضرورة الشديدة وذلك أننا ننظر أولاً في دليل تلك المسألة من الكتاب والسنة ثم أقضية الصحابة فإن لم نجد دليلاً قسنا حينئذ.. سكوتاً عنه على منطوق به بجامع اتحاد العلة بينهما" وقال أبو مطيع:"كنت يوما عند أبي حنيفة في جامع الكوفة فدخل عليه الثوري ومقاتل بن حيان وحماد بن سلمة وجعفر الصادق وغيرهم من الفقهاء فكلموا الإمام وقالوا قد بلغنا أنك تكثر من القياس في الدين وإنا نخاف عليك منه فإن أول من قاس إبليس. فناظرهم الإمام من بكرة نهار الجمعة إلى الزوال وعرض عليهم مذهبه وقال إني أقدم العمل بالكتاب ثم بالسنة ثم بأقضية الصحابة مقدماً ما اتفقوا عليه على ما اختلفوا فيه، وحينئذ أقيس فقاموا كلهم وقبلوا يده وركبته وقالوا له أنت سيد العلماء فاعف عنا فيما مضى منا من وقيعتنا فيك بغير علم. فقال غفر الله لنا ولكم"1.ومثل هذا الكلام نقل عنه في رسالته التي أرسلها إلى الخليفة أبي جعفر المنصور حين لامه بتقديم القياس على الحديث.

وهذه الخصوصية ليست لأبي حنيفة فجميع الأئمة قاسوا الأمور عند عدم وجود النص كما قال الإمام الشافعي:"إذا لم نجد في المسألة دليلاً قسناها على غيرها". فمن اعترض على أبي حنيفة فكأنما اعترض على جميع الأمة. نعم هناك أمر لا بد من الانتباه إليه هو أن الأقيسة قد كثرت عن أبي حنيفة بالنسبة لغيره من الأئمة. والسبب في ذلك هو عدم رحلته إلى الأمصار والمدن والقرى لجمع الأحاديث كما فعل الصحابة والمحدثون والفقهاء. والسبب الثاني هو ما ذكره السرخسي قال:"قلّت الرواية عن أبي حنيفة حتى قال بعض الطاعنين إنه لا يعرف الحديث، وليس الأمر كما ظنوا بل كان أعلم عصره في الحديث وكلن لمراعاة شرط كمال الضبط قلّت روايته"2.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015