وجمعه على فرقه , وفناؤه على بقائه , وغيبته على حضوره " (?).
ويشرح النفزي الرندي هذه العبارة بقوله:
" هذا هو حال الخاصة من أرباب الحقائق , وهم الذين غابوا عن (شهود) الخلق بشهود الملك الحق , فلم يقع لهم شعور بهم , ولا التفات إليهم , وفنوا عن الأسباب برؤية مسبب الأسباب , فلم يروا لها فعلاً ولا جَعْلاً , فهم مُواجهون بحقيقة الحق ظاهر عليهم سناها , أي: نورها وضياؤها , سالكون طريقة الحق , قد استولوا على مداها , أي: وصلوا إلى غايتها ومنتهاها , إلاّ أنهم غرقوا في بحار أنوار التوحيد , مطموس عليهم آثار الوسايط والعبيد , أي: مغلق عليهم رؤية ذلك والشعور به قد غلب سكرهم , وهو: عدم إحساسهم بالأغيار , على صحوحهم , وهو: وجود إحساسهم بها , وجمعُهم , وهو ثبوتُ وجود الحق فرداً , على فرقهم وهو ثبوت وجود الخلق , وفنائهم , وهو: استهلاكهم في شهود الحق على بقائهم وهو شعورهم بالخلق , وغيبتهم وهو ذهاب أحوال الخلق عن نظرهم على حضورهم مع الخلق.
ومعاني هذه الألفاظ , كما تراها , متقاربة , وهي ألفاظ تداولها الصوفية المحققون بينهم وعبّروها بها في كتبهم , ووضعوها على معان اختصوا بفهمها , ليتعرّف بعضهم من بعض ما يتخاطبون به , ولهم ألفاظ كثيرة غيرها " (?).
ولعلّ معنى اصطلاح " الجمع " يتضح أكثر بنصّ الهجويري حيث يقول:
" الجمع هو أن يصير كل المحبّ كل المحبوب. . . وهو أن يكون العبد في الحكم والهاً ومدهوشاً ويكون حكمه حكم المجانين. . .
ويقول واحد من المشايخ رحمه الله: جاء درويش إلى مكة وأقام سنة في مشاهدة الكعبة , فلم يطعم ولم يشرب ولم ينم ولم يذهب للطهارة , لا جتماع همّته برؤية البيت , لأن الله تعالى قد أضافه إلى نفسه فصار غذاء جسده ومشرب روحه. . .