أيا من يرى الأسباب أعلى وجوده ... ويفرح بالتيه الدنيّ وبالأنس
فلو كنت من أهل الوجود حقيقة ... لغبت عن الأكوان والعرش والكرسي
وكنت بلا حال مع الله واقفاً ... خليّاً عن التذكار للجن والأنس (?).
ويقول الهجويري:
" المراد من الغيبة غيبة القلب عما دون الحق إلى حدّ أن يغيب عن نفسه , حتى أنه بغيبته عن نفسه لا يرى نفسه " (?).
وبمثل ذلك قال الطوسي (?).
وينقل الدكتور عبد الحليم محمود عن سيده أحمد الدردير أنه قال مبيناً حالة غيبته عن نفسه:
" حتى لو تكلّم الناس وأنا معهم بكلام وخاطبوني به لا أدري ما قالوا , وهم لا يعلمون مني هذا الحال , لأني صورتي الظاهرية صورة العاقل الصاحي , وهذا أمر عجيب لا يعرفه إلاّ من ذاقه " (?).
فمعنى الغيبة عند الصوفية هو أن يغيب الإنسان عن فكرة وذهنه ووجوده لا يدري ما يقع في الكون ولا يفهم كلام الناس , فظاهره معهم , وباطنه غائب عنهم , وهذا مقام سنيّ عندهم يحوزه كبار أوليائهم ومشايخهم , فيحكون عن ذي النون المصري أنه:
" بعث إنساناً من أصحابه إلى أبي يزيد , لينقل إليه صفة أبي يزيد. فلما جاء الرجل إلى بسطام سأل عن دار أبي يزيد: ماذا تريد؟ فقال: أريد أبا يزيد.
فقال: من أبو يزيد؟ وأين أبو يزيد؟ أنا في طلب أبي يزيد.
فخرج الرجل , وقال: هذا مجنون.
ورجع الرجل إلى ذي النون فأخبره بما شاهد , فبكى ذو النون وقال , أخي أبو يزيد