منها وضع الحدود كالناذر للصيام قائما لا يقعد , صاحيا لا يستظل , والاختصاص في الانقطاع للعبادة , والاقتصار في المأكل والملبس على صنف من غير علة.
ومنها إلتزام الكيفيات والهيئات المعينة , كالذكر بهيئة الاجتماع على صوت واحد , واتخاذ يوم ولادة النبي صلى الله عليه وسلم عيدا , وما أشبه ذلك.
ومنها التزام العبادات المعينة في أوقات معينة لم يوجد لها ذلك التعيين في الشريعة , كالتزام صيام يوم النصف من شعبان وقيام ليلته.
وثم أوجه تضاهي بها البدعة الأمور المشروعة , فلو كانت لا تضاهي الأمور المشروعة لم تكن بدعة , لأنها من باب الأفعال العادية (?).
أما بعد فبعد هذا التمهيد والتوطئة المختصرة وذكر قول الله عز وجل حيث خاطب أهل الكتاب: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ} (?).
نقول: أن أمور التصوف وأعمال المتصوفة كلها مبنية على مخالفة تلك الأسس والقواعد , وليس فيها إتباع ولا اعتدال بل كلها ابتداع وغلو وتطرف ورهبانية ابتدعوها , ما كتبها الله عليهم , ولا أوجبها رسول الله صلى الله عليه وسلم , ولا عمل بها أصحابه ورفاقه , تلامذته الراشدون ومبلغوا تعاليمه إلى العالمين , الذين اقتفوا آثاره ,واهتدوا بهديه , واتبعوا سننه , وحملوا رايته , وجاهدوا في الله حق جهاده , ولم يكن واحد منهم معطلا نفسه , منزويا في الأربطة والتكايا , منعزلا في الخانقاوات والزوايا , متعطلا عن العمل , تاركا للجمعة والجماعة , مخترعا الطرق المخصوصة للوصول إلى الله , ومتخذا التعنت والتطرف تقربا وتزلفا إليه , ولم يكن يعد التجوع والتعري سببا للنجاة , ولا التسول والاستجداء وسيلة للنجاح , وكانوا تجارا زراعيا صناعا ورعاء للإبل والماشية , يكسبون الحلال ويرزقون به أولادهم , أهلهم وذويهم , ويطعمون الطعام على