وجل مجده , - بل إنها خبالات نفسانية أو بخارات صعدت إلى مفكراتهم وأذهانهم من سوء الهضم , والتجوع , والسهر, أو تخيلات المهووسين والمجانين أو إلقاءات وإيحاءات شيطانية , لاختلافها وتناقضها وتعارضها وتبيانها باختلاف الأشخاص والبيئات.
فوجود الاختلاف دليل على أن مصدرها ومنبعها ليس بواحد , وهذا واضح وجلي لمن عرف مكاشفات القوم, واطلع على إلهاماتهم, وقرأ في كتبهم , فمكاشفات ابن عربي تختلف عن مكاشفات ابن سبعين , وإلهامات أبي البسطامي عن با يزيد الأنصاري وذي النون المصري , والرفاعي عن الشاذلي والنقشبندي عن السهروردي, والجشتي عن القادري, والبكتاشي عن
النوربشتي , والتيجاني عن العروسي ... {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً} (?).
وعلى ذلك انتبه لهم علماء الإسلام وفقهاء الأمة, وتصدوا لهم بالرد على أفكارهم وخيالاتهم , ففسّقوا البعض وكفّروا الآخرين , وافتوا بالزندقة على قسم منهم, ولم يكن ردهم عليهم إلا أن قالوا كما نطق به شيخهم الأكبر:
" ويزيل رجل الطريق التفكر عن نفسه جملة واحدة , فإنه مفرّق لهمّه , ويعتكف على مراقبة قلبه عند ربه , عسى الله أن يفتح له الباب إليه , ويعلم ما لم يكن يعلم , مما علمته الرسل وأهل الله , مما لم تستقل العقول بإدراكه , وإحالته.
فإذا فتح الله لصاحب هذا القلب هذا " الباب " حصل له تجلِّ إلهي , أعطاه ذلك التجلي بحسب ما يكون حكمه , فينسب إلى الله منه أمرًا لم يكن قبل ذلك يجرأ على نسبته إلى الله - سبحانه - ... غير أن أصحابنا اليوم يجدون غاية الألم , حيث لا يقدرون يرسلون ما ينبغي أن يرسل عليه سبحانه كما أرسلت الأنبياء - عليهم السلام - فما أعظم تلك التجليات! وإنما منعهم أن يطلقوا عليه ما أطلقت الكتب المنزلة والرسل - عليهم السلام - عدم إنصاف السامعين من الفقهاء وأولي الأمر, لما يسارعون إليه في تفكير من يأتي بمثل ما جاءت به الأنبياء - عليهم السلام - في جنب الله, وتركوا - أعني