لشخص مخصوص ولا لرجل معين , بل لكلِّ كشفه وإلهامه , والكل منهم نبي صغير , وله شرعته ومنهاجه , وارتقى البعض إلى الإلوهية والربوبية كما سنبين كل ذلك بالدليل والبرهان , وبوضع النقاط على الحروف , فسوغوا شرائع جديدة ومذاهب بديعة , ومسالك طريفة , ومشارب غريبة , ثم دونت هذه الشرائع وهذه المذاهب والمسالك والمشارب , وسكبت في قوالب مختلفة , وسميت بسلاسل وطرق في عرف التصوف.

فاخترع أهل كل سلسة قرآنًا لها بصورة مواجيد وترانيم , وقصائد وأناشيد وأوراد عجيبة , وأذكار مختلفة غريبة , وجعلوا السنة أحاديث المشايخ وقصصهم والأساطير المضحكة والحكايات المبكية , كما جعلوا صلواتهم الرقص والوجد وتحريك الرأس وتدويره آليًّا , وحجهم زيارة المشاهد والقبور والطواف حولها , وأكل ترابها والتمسح بجدرانها , وجعلوا صومهم ترك الطيبات , وتحريم ما أحل الله , والتجوع المحض طيلة شهور وأعوام , واعتكافهم الأنزواء في الخانقاهات والتكايا والربط والزوايا , والدخول في سراديب الأرض وكهوف الجبال وغيرانها , والسياحة التيه في الصحاري والبراري والقفار والمقابر , كما عكسوا مفهوم الزكاة وقلبوه , فجعلوها التسول والاستجداء والاسترزاق والاستعطاف , وجعلوا اليد السفلى خيرًا من اليد العليا , فأعرضوا عن العلم والعلماء , ولقنوا مريديهم ومن وقع في فخهم وحبائلهم بالاجتناب والإعراض عنه وعنهم كيلا يهرب صيدهم وينجو فريستهم من مخالب هؤلاء وأشواكهم بنور العلم وبصحبة العلماء , ولا يوجد في كتب الأولين منهم والآخرين , القديمين منهم والحديثين مخالفة أكثر من مخالفة العلم وأهله , وهذه وحدها كافية لمعرفة حقيقة التصوف والمتصوفة , فقالوا:

" العلم حجاب الله الأكبر " (?).

وفسره كبير مشايخ الصوفية في الهند نظام الدين الدهلوي المتوفى 725هـ بقوله:

" إن العلم دون الحق , وكل ما هو دونه فهو يحجب عنه " (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015