ولا شكّ أنَّ تسبيح الحصى الصغار والطعام أعجبُ وأبلغُ من تسبيح الجبال، ولذا فإنَّ المعجزة لنبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم في ذلك أبلغُ من المعجزة لنبيِّ الله داود عليه السلام في تسبيح الجبال معه.
قال الحافظ ابن كثير - رحمه الله -: "وأمّا تسبيح الطّير مع داود عليه السلام فتسبيح الجبال الصمّ أعجبُ مِن ذلك، وقد تقدّم في الحديث أنّ الحصا سبّح في كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال ابن حامد: وهذا حديثٌ معروفٌ مشهورٌ، وكانت الأحجارُ والأشجارُ والمدرُ تسلِّم عليه صلى الله عليه وسلم.
وفي صحيح البخاري عن ابن مسعود قال: "لقد كنّا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل" يعني بيد النبيِّ صلى الله عليه وسلم، وكلّمه ذراعُ الشّاة المسمومة وأعلمه بما فيه من السُّمِّ، وشهدت بنبُوَّته الحيواناتُ الإنسيّة والوحشيّة، والجمادات - أيضاً - كما تقدّم بسط ذلك كلِّه، ولا شكّ أنَّ صدور التسبيح من الحصا الصغار الصمّ التي لا تجاويف فيها أعجبُ مِن صدور ذلك من الجبال لما فيها من التجاويف والكهوف، فإنَّها وما شاكلها تردّد صدى الأصوات العالية غالباً كما قال عبد الله بن الزبير كان إذا خطب وهو أمير المدينة بالحرم الشريف تجاوبه الجبال أبو قبيس وزَرُود، ولكن من غير تسبيح، فإنَّ ذلك من معجزات داود عليه السلام، ومع هذا كان تسبيح الحصا في كفِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان أعجب"1 اهـ. كلامه - رحمه الله -.
والشّاهد مِن ذلك كلِّه هو أنَّ هذه الكائنات تسبِّح الله - تعالى - تسبيحاً حقيقاً لا يفقهه النّاس ولا يسمعونه، وقد يشاء الله فيُسمِع بعض ذلك من يشاء مِن عباده كما في النصوص المتقدّمة.
ولا ريب أنَّ في هذا أَعظمَ عبرةٍ وأجلَّ عِظةٍ للنّاس إذ تدبّروا في حال هذه