وأمّا قولُ من قال: إنَّ هذا التسبيح ليس حقيقياً وإنَّما هو تسبيح بلسان الحال فقط فهو قول مجانبٌ للحقيقةِ، بعيدٌ عن الصواب، ولا يعضُدُه دليل، بل الأدلّةٌ صريحةٌ على عدم صحّتِه.
وليس هذا الأمر بأعجب من تسبيح الحصا في يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتسبيحُ الطعام وهو يُؤكل، وقد كان يسمع ذلك الصحابةُ رضي الله عنهم.
روى البخاري في صحيحه عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: "كنّا نعدُّ الآيات بركة وأنتم تعدّونها تخويفاً، كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفرٍ فقلَّ الماءُ، فقال: اطلبوا فضلةً من ماء، فجاؤوا بإناء فيه ماءٌ قليل، فأدخل يدَه في الإناء ثم قال: حيَّ على الطهور المبارك، والبركة من الله، فلقد رأيت الماء ينبع من بين أصابع رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولقد كنّا نسمع تسبيح الطعام وهو يُؤكل" 1.
فلله ما أعظمها من آيةٍ تدلّ على كمال المرسِل سبحانه، وصدق المرسَل - صلوات الله وسلامه عليه -.
وروى الطبراني في المعجم الأوسط، وأبو نعيم في دلائل النبوة عن أبي ذر رضي الله عنه قال: إنّي لشاهدٌ عند النبي صلى الله عليه وسلم في حلقة وفي يده حصى فسبَّحن في يده، وفينا أبو بكر وعمرُ وعثمانُ وعليٌّ، فسمع تسبيحهنّ مَن في الحلقة، ثمّ دفعهنَّ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر فسبّحن مع أبي بكر، سمع تسبيحَهنَّ مَن في الحلقة، ثمّ دفعَهنَّ إلى النّبيِّ صلى الله عليه وسلم فسبَّحن في يده، ثمّ دفعهنَّ النّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى عمر فسبَّحن في يده، وسمع تسبيحَهنَّ مَن في الحلقة، ثم دفعهنَّ النبيّ صلى الله عليه وسلم إلى عثمان بن عفّان فسبَّحن في يده، ثمّ دفعهنّ إلينا فلم يسبِّحن مع أحد منّا"2.