وأما النكرة فلأنها، وإن وضعت للفرد الشائع سواء كان واحدا كما فى النكرة المفردة «رجل» أو متعددا كما فى النكرة المثناة أو المجموعة «رجلين ورجال» إلا أن النكرة لم تستغرق ما وضعت له بمعنى أنها لم تتناوله دفعة واحدة وإنما تناولته على سبيل البدل فإذا قيل: أكرم رجلا كان معناه حقق الإكرام فى أى رجل شئت: فى خالد أو فى بكر، مثلا ولا يقتضى ذلك تحقيق الإكرام فى خالد وبكر فى وقت واحد، لأن اللفظ لم يدل على ذلك وهكذا.
وقوله: «جميع ما يصلح له» الذى يصلح له اللفظ هو ما وضع له اللفظ لغة، وعلى ذلك فالمعنى الذى لم يوضع له اللفظ لا يكون صالحا له.
فكلمة «من» لفظ وضع للعاقل وكلمة «ما» وضعت لغير العاقل فيلزم من ذلك أن يكون لفظ «من» صالحا للعاقل غير صالح لغيره ويكون لفظ «ما» صالحا لغير العاقل فقط. فإذا استعمل لفظ «من» فى العاقل ولفظ «ما» فى غير العاقل صدق على كل منهما أنه عام لأنه استغرق الصالح له، وعدم صلاحية كل منها لغير ما وضع له لا يخرجه عن كونه عامّا فيما وضع له، وبهذا ظهر أن هذا القيد قصد به تحقيق معنى العموم كما قصد به الاحتراز عن اللفظ الذى استعمل فى بعض ما يصلح له كقوله تعالى: الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ (?) فإن الناس الأولى مراد بها نعيم بن مسعود الأشجعى (?) فقط. فمثل هذا لا يكون عامّا لأنه لم يستغرق جميع ما يصلح له بل استعمل فى بعض ما يصلح له.