وعلى هذا فيزول الإشكال ويكون إثبات خلق السماوات والأرض إنما يتم بما جاء به الشرع، ولا يمكن القول بحدوث العالم على أصل نفاة الأفعال الذين يزعمون أن العقل قد دل على نفيها، ويقدمون هذا الذي هو عندهم دليل عقلي على ما جاء به الكتاب والسنة، والعقل عند التحقيق يبطل هذا القول ويوافق الشرع، فإنه إذا تبين أن القول بنفيها يمتنع معه القول بحدوث شيء من الحوادث: لا العالم ولا غيره، والحوادث مشهودة، كان العقل قد دل على صحة ما جاء به الشرع في ذلك، والله سبحانه موصوف بصفات الكمال، منزه عن النقائص، وكل كمال وصف به المخلوق من غير استلزامه لنقص فالخالق أحق به، وكل نقص نزه عنه المخلوق فالخالق أحق بأن ينزه عنه، والفعل صفة كمال لا صفة نقص، كالكلام والقدرة، وعدم الفعل صفة نقص، كعدم الكلام وعدم القدرة، فدل العقل على صحة ما دل عليه الشرع، وهو المطلوب.
وكان الناس قبل أبي محمد بن كلاب صنفين، فأهل السنة والجماعة يثبتون ما يقوم بالله تعالى من الصفات والأفعال التي يشاؤها ويقدر عليها، والجهمية من المعتزلة وغيرهم تنكر هذا وهذا، فأثبت ابن كلاب قيام الصفات اللازمة به، ونفى أن يقوم به ما يتعلق بمشيئته وقدرته من الأفعال وغيرها.
ووافقه على ذلك أبو العباس القلانسي، وأبو الحسن الأشهري وغيرهما، وأما الحارث المحاسبي فكان ينتسب إلى قول ابن كلاب، ولهذا أمر أحمد بهجره، وكان أحمد يحذر عن ابن كلاب وأتباعه، ثم قيل عن الحارث: إنه رجع عن قوله.