فقوله تعالى: {هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} (الحديد: 4) تضمن فعلين: أولهما متعد إلى المفعول به، والثاني مقتصر لا يتعدى، فإذا كان الثاني - وهو قوله تعالى: {ثم استوى} - فعلاً متعلقاً بالفاعل، فقوله (خلق) كذلك بلا نزاع بين أهل العربية.
ولو قال قائل: (خلق) لم يتعلق بالفاعل، بل نصب المفعول به ابتداء، لكان جاهلاً، بل في (خلق) ضمير يعود إلى الفاعل كما في (استوى) .
وأما من جهة العقل: فمن جوز ان يقوم بذات الله تعالى فعل لازم به، كالمجيء والاستواء، ونحو ذلك، لم يمكنه أن يمنع قيام فعل يتعلق بالمخلوق كالخلق والبعث والإماتة والإحياء.
كما أن من جوز أن تقوم به صفة لا تتعلق بالغير كالحياة لم يمكنه أن يمنع قيام الصفات المتعلقة بالغير، كالعلم والقدرة والسمع والبصر، ولهذا لم يقل أحد من العقلاء بإثبات أحد الضربين دون الآخر، بل قد يثبت الأفعال المتعدية القائمة به كالتخليق من ينازع في الأفعال اللازمة.
كالمجيء والإتيان.
وأما العكس فما علمت به قائلاً.
وإذا كان كذلك كان حدوث ما يحدثه الله تعالى من المخلوقات تابعاً لما يفعله من أفعاله الاختيارية القائمة بنفسه، وهذه سبب الحدوث، والله تعالى حي قيوم لم يزل موصوفاً بأنه يتكلم بما يشاء.
فعال لما يشاء.
وهذا قد قاله العلماء الأكابر من أهل السنة والحديث.
ونقلوه عن السلف والأئمة، وهو قول طوائف كثيرة من أهل الكلام والفلسفة المتقدمين والمتأخرين، بل هو قول جمهور المتقدمين من الفلاسفة.