فإن قال قائل: المنازعون لنا الذين يقولون: لم يزل متكلماً إذا شاء، أو لم يزل فاعلاً إذا شاء، أو لم تزل الإرادات والكلمات تقوم بذاته شيئاً بعد شيء، ونحو ذلك، وهم يقولون بحدوث الحوادث في ذاته شيئاً بعد شيء، فنحن نقول بحدوث الحوادث المنفصلة عنه شيئاً بعد شيء: إما حدوث تصورات وإرادات في النفس الفلكية، وإما حصول حركات الفلك المتعاقبة، فلم كان قولنا ممتنعاً وقولهم ممكناً؟.
قيل لهم: أنتم قلتم: إنه مؤثر تام، أو علة تامة في الأزل، فلزمكم أن لا يتأخروا عنه شيء من آثاره، سواء كانت صادرة بوسط أو بغير وسط.
فإذا قلتم: صدر عنه عقل - مثلا - والعقل أوجب نفساً فلكية وفلكاً، أو ما قلتم.
قيل لكم: المعلول الأول إن كان تاماً من كل وجه لا يمكن أن يحدث فيه شيء - فهو أزلي - كان معلوله العقل معه أزلياً، فإن العقل حينئذ يكون علة تامة في الأزل، فيلزم أن يكون معلوله معه أزلياً، وهكذا معلول المعلول، هلم جراً.
وإذا قلتم: الحركة لا تقبل البقاء.
قيل لكم: فيمتنع أن يكون لها موجب تام في الأزل، بل يكون الموجب لها غير تام في الأزل، بل صار موجباً، وحدوثه كونه موجباً يمتنع أن يتوقف على أثر غيره، إذ ليس هناك موجب غيره.
ويمتنع أن يحدث تمام