ومن هذا الباب قوله تعالى: {هدى للمتقين} [البقرة: 2] ، وقوله: {إنما أنت منذر من يخشاها} [النازعات: 45] ، وقوله: {إنما تنذر من اتبع الذكر} [يس: 11] ، فالمراد به الهدى التام المستلزم لحصول الاهتداء، وهو المطلوب في قوله: {اهدنا الصراط المستقيم} .
وكذلك الإنذار التام المستلزم خشية المنذر وحذره مما أنذر به من العذاب، وهذا بخلاف قوله: {وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى} (فصلت: 17) ، فالمراد به البيان والإرشاد المقتضى للاهتداء، وإن كان موقوفاً على شروط وله موانع.
وهكذا إذا قيل: هو موجب بذاته، أو علة بذاتة، ونحو ذلك،: إن أريد بذلك أنه موجب ما يوجبه من مفعولاته بمشيئته وقدرته، في الوقت الذي شاء كونه فيه، فهذا حق، لا منافاة بين كونه موجباً وفاعلاً بالاختيار على هذا التفسير.
وإن أريد به أنه موجب بذات عرية عن الصفات، أو موجب تام لمعلول مقارن له - وهذا قول هؤلاء - وكل من الأمرين باطل.
فقد قامت الدلائل القينية على اتصافه بصفات الإثبات، وقامت الدلائل اليقينية على امتناع كون الأثر مقارناً للمؤثر وتأثيره في الزمان، ولو كان فاعلاً بدون مشيئته وقدرته كالمؤثرات الطبيعية، فكيف في الفاعل بمشيئته وقدرته؟ فإن هذا مما يظهر للعقلاء امتناع أن يكون شيء من مقدوراته قديماً أزلياً لم يزل ولا يزال.
فمن تصور هذه الأمور تصوراً تاماً، علم بالاضطرار أنه يمتنع أن يكون في العالم شيئ قديم، وهو المطلوب.