منه، وذلك ليس للأول، إذ ليس أشرف منه في الموجودات، حتى يشرف ويكمل بعقله له، وليس إذا ارتفع هذا عنها ارتفع ذاك، فإن ذاك هو الأول، والذي بالذات -أعني كونه بحيث يعقل، وقدرته على أن يعقل -فهو كماله الذاتي الذي به شرف وجل وعلا عما لا يعقل.

والآخر هو الثاني.

والذي بالعرض، أعني كماله بمعقولاته وشرفه بها، فإن كوننا بحيث نعقل ما نعقله، شرف لنا وكمال، بالقياس إلى ما ليس له ذلك.

وكثير من المعقولات التي نعقلها لا نشرف بها، وليس الشرف الحاصل من الفعل، هو الشرف الذي بالقدرة، فإن الذي بالقدرة قبل الفعل ومعه وبعده، والذي بالفعل يحصل مع الفعل وبه وبعده، ولا يكون قبله، فما شرف الله بمخلوقاته، بل خلق بشرفه، أعني: ما خلق فشرف، بل شرف فخلق، وكذلك ما علم فكمل، بل كمل فعلم.

قلت: ملخص هذا أن الكمال هو الذي يجب له أزلاً وأبداً، وهو لازم لا يتجدد منه شيء، وهو كونه بحيث يفعل ويعقل، لا نفس وجود الفعل المعين والعلم المعين، وهذا هو القدرة على الفعل والعقل، وهذا له بذاته لا يتوقف على شيء من الموجودات.

ولهذا قال: إن النقص غير متصور في الذات الواحدة، فإن النقص يستلزم التعدد، ولا تعدد هناك.

لكن قد يقال على هذا: إنه، وإن كان الذات واحدة، فإذا كانت الصفات متعددة، كالقدرة والعلم، أمكن تقدير أحدهما دون الآخر، فالكمال هو بوجود الجميع، والنقص معقول بعدم بعض ذلك.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015