فإن من سلك النظر الصحيح علم أنه موجود معين متميز، وإن كان دليله لم يدله على عينه، بخلاف من نفى تعينه وجعله مطلقاً كلياً، أو قال ما يستلزم ذلك، فإن هذا معطل له في الحقيقة.
ومثال هذا من علم بالدليل وجود نبي مرسل أرسله الله إلى خلقه ولم يعلم عينه، فهذا قد علمه علماً مطلقاً.
وأما من قال: إن هذا النبي إنما يوجد مطلقاً لا معيناً، فهذا قد نفى وجوده في الخارج.
فإذا تبين أن القياس العقلي البرهاني لا يفيد إلا معرفة مطلقة كلية، فمعلوم أن أسماءه لا تعرف إلا بالسمع، فبالسمع عرفت أسماء الله وصفاته التي يوصف بها من الكلام.
ولولا السمع لما سمي ولا ذكر ولا حمد ولا مدح ولا نعت ولا وصف.
فإن كان هذا هو الذي أراده بمعرفة عينه ومن هو، فلا ريب أنه لا يحصل إلا بالسمع، وإن أراد بذلك معرفة أخرى، مثل المعرفة بسائر نعوته التي أخبرت بها الرسل، فهذا أيضاً يعلم بالسمع، ومنها ما لا يعلم بمجرد القياس العقلي، ومنها ما قد تنازع الناس هل يعلم بالعقل أم لا؟
وأما معرفة عين المسمى الموصوف الذي علم وجوده، فهذا في المخلوقات يعرف بالإحساس ظاهراً أو باطناً: إما بالإحساس بعينه، أو بالإحساس بخصائصه.
فمن علم اسم شخص ونعوته، أو اسم أرض وحدودها، فإنه يعرف عينها بالرؤية: إما بمخبر يخبره أن هذا المعنى هو الموصوف المسمى، وإما بأن يرى اختصاص ذلك المعين بتلك الأسماء والصفات.
قال تعالى: {الذين آتيناهم الكتاب يعرفونه كما يعرفون أبناءهم} .
فمن عرف نعوت النبي صلى الله عليه وسلم التي نعت