الطريق الخامس: أن يقال: إذا كان مبايناً للعالم: فإما أن يقدر محيطاً به، أو لا يقدر محيطاً به، سواء قدر أنه محيط به دائماً، أو محيط به في بعض الأوقات، كما يقبض يوم القيامة ويطوي السماوات، فإن قدر محيط به كان عالياً علو المحيط على المحاط به.

وقد تقدم قولهم: (إن الفلك كري) فيلزم أن تكون الأفلاك محيطة بالأرض، فهي فوقها باتفاق العلماء، فما كان محيطاً بالجميع أولى بالعلو والارتفاع، سبحانه وتعالى وإن لم يكن مماثلاً لشيء من المخلوقات ولا مجانساً لأفلاك ولا غيرها.

وإن لم يقدر محيطاً به، فإن كان العالم كرياً، وليس لبعض جهاته اختصاص بالعلو، فإذا كان مبايناً له لزم أن يكون عالياً، كيفما كان الأمر.

وإن قدر أن العالم ليس بكري، أو هو كري ولكن بعض جهاته لها اختصاص بالعلو، مثل أن تقول: إن الله وضع الأرض وبسطها للأنام، فالجهة التي تلي رؤوس الناس هي جهة العلو من العالم دون الأخرى.

فحينئذ إذا كان مبايناً، وقدر أنه غير محيط، فلا بد من اختصاصه بجهة العلو أو غيرها.

ومن المعلوم أن جهة العلو أحق بالاختصاص، لأن الجهة العالية أشرف بالذات من السافلة، ولهذا اتفق العلماء على أن جهة السماوات أشرف من جهة الأرض، وجهة الرأس أشرف من جهة الرجل، فوجب اختصاصه بخير النوعين وأفضلهما، إذ اختصاصه بالناقص المرجوح ممتنع.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015