إِلى المخلوقين. فالحرّية أصلٌ فيه، لحكمة الاستقلال بطاعة الله وعبادته التي خُلِق لأجلها؛ والرقّ طارئٌ عليها. فإِذا وُجِد مقتضة الحرّيّةِ في بعضِ العبدِ، ظهر حكمُ الأصل فيه؛ وهو الحرّيّة. ثمّ استولى عندنا على باقيه، فيما إِذا كان المعتِقُ لبعصه موسًرا، وتَضمَّن نصيبَ شريكه. وعندهم، يَستسعى العبدِ، ظهر حكمُ الأصل فيه؛ وهوالحرّيّة. ثمّ استولى عندنا على باقيه، فيما إِذا كان المعتقُ لبعضه موسرًا، وتَضمَّن نصيبَ شريكه. وعندهم، يَستسعى العبدُ في قيمةٍ باقيةِ، إِن لم يكن المعتِقُ موسرًا. كلّ ذلك لاجتذاب الحرّيّة العبدَ إِليها؛ لأنها الأصل؛ وللأصول قوّةٌ. وصار كالأجير مستحقّ المنفعة مدّةَ الإِجارةِ؛ فإِذا انقَضَت. وأيضًا، الذي قَرّره في تجَزُّؤ العتقِ، لا نحن نمنعه، ولا هو ينافي ما قلناه؛ بل هما من وادٍ واحدٍ.
ومِمَّا يدلّ على ضعفِ ما ذكره في أصل القاعدة أنّ التكليف لو كان مَناطًا للمُلك، أو غايةً للحال التي يُستحَقّ بها المُلكُ، على ما فسّرنا به كلامَه من التدريج، لوَجَب أن تتفاوت أملاكُ الناسِ باستجماعها استَحّوا المُلكَ. فيكون مُلكُ الوليدِ أقوى من مُلكِ الجنين، والفطيم أقوى من الوليد، والمراهق أقوى من الوليد، والبالغ أقوى من المراهق. ولا قائل بذلك.
وحاصل ما قرّرها به أنّ الأملاك في الأصل لله سبحانه؛ لأنّه مُوجِدها؛ ومُوجِد الشيءِ ومخترعه أحقُّ بملكيّته من غيره. وإِنما شُرِعَت للناس استصلاحًا لهم، ليَتوصّلوا بها إِلى التوحيد وإِقامة العبادات. فالمقصود منها الانتفاعُ المستبقى للنفوس. وهذا يقتضى أنّ [فى] كلّ موضعٍ كان المقصود أكثر حصولًا، كان المُلكُ أولى بالثبوت.
ثمّ بنى على ذلك فروعًا
منها أنّ الكفّار إِذا استولوا على أموال المسلمين وأحرزوها بدار الحرب، مَلَكوها؛ لأنهم أَوصَلُ إِلى المقصود منها؛ لاستيلائهم عليها، وتملُّكهِم من الانتفاع بها. بخلافِ المسلمين؛ فإِنهم لا يَتهيّأ لهم بها انتفاعٌ إِلاّ على تَقَدُّم الحال والزمان.