قوله تعالى: {أوفوا بالعقود}. وذلك لا يَغُضّ من منصب الإِنسانيّة، ولا الحرّيّة. كما أنها هي تتسلط عليه بحكم العقدِ؛ فتحبسه على مهرها ومؤونتها، ويمتنِع عن التزوُّج والتسرّي عليها، وإِخراجِها من دارها او بلدها بشرطها؛ عملًا بقوله عليه السلام: "المؤمنون على شروطِهم"، ونحوه. وليس ذلك قادحًا في شرفِ حرّيّته، ولا إِنسانيّته.
وأمّا قوله: "لو لم يتضمّن النكاحُ معنًى تجب إِقامتُه، لما كان إِطلاقه أولى من حظرِه"، فليس بلازمٍ؛ لجواز ترجُّحِ إِطلاقه تَجُّح ندبٍ واستحبابٍ، لا ترجُّحَ عزمٍ وإِيجابٍ.
وأمّا قوله: "إِنّ المعنى الذي تجب إِقامتُه عو التوالد والتناسل"، فهو ضعيفٌ؛ لأنّ ذلك لو وَجَب شرعًا، لوجبَت نيّتُه عند عقدِ النكاحِ، أو عندَ الوطءِ. ولا نعلم خلافًا بين المسلمين في أنّ للرجل أن يتزوّج ويطأَ، وإِن لم يخطُر بباله الولدُ. بل أبلغ من هذا أنّ النصوصَ صحَّت بجواز العزلِ لمنع الوالدِ؛ وأجاز العلماءُ شُربَ دواءٍ لقطع الحيضِ، مع إِفضائه إِلى منعِ الحمل. وإِنما الله سبحانه أجرى العادةَ، بأنّ هذا النوع الإِنسانيّ متّصل الوجودِ إِلى اليوم الموعود، بحُكمِ الدواعي الطبيعيّة الحيوانيّة، كسائر أنواع الحيوان من البهائم والطير والحشرات.
وأما الازدواج والسكن، فهو أيضًا حاصلٌ بفضل إِلهي. ولهذا امتنّ به عليهم، فقال: {وجعل بينكم مودة ورحمة}، ونحوه. وذلك لِمَا يحصُل لكلِّ من الزوجين من اللذّة بالآخر. حتى لو أراد أحدُهما أن لا يحب صاحبَه، لغلبه قلبُه، ولم تطاوِعه نفسُه. فانجذاب قلبِ كلِّ منهما إِلى الآخر كانجذاب الحديد إِلى المغناطيس. وليس ذلك بكسب الإنسانِ، حتى يكون من معاني النكاح الواجبة. وإمّا استيفاء النفس، بصيانتها عن الهلاك، لاستدامة التوحيد، فدعواه من أضعف ما يكون. وقد تقرّر ضعفُها في نظير ذلك في الصوم. وذلك لأنّ الشهوات دائمةٌ ملازمةٌ؛ فلو كان المقتضي للوجوب ما ذكر، لوَجَبَ استدامةُ النكاحِ ما دامت الشهواتُ