قال: "وأمّا المعنى الذي اشتَمَل عليه النكاحُ، [و] تجبُ إِقامتُه، فيكفينا إِثباتُه مجمَلًا؛ إِذ قد دلَّ عليه الدليلُ؛ لأنّ الشيء يُعرَف بذاته تارةً، وبدليله ولازِمه أُخرى. وإِن بيّنّاه، قلنا: ذلك المعنى هو التوالد والتناسل والسكن والازدواج والتوسّل به إِلى استدامة إِقامة التوحيد، باستبقاء النفس، بصيانتها عن الزنا وأسبابِ الهلاك، كما سبق. وذلك لأنّ الإبضاع لا يُباح بمطلق الإِباحة؛ فلابدّ من ضربِ حدِّ واختصاصٍ، يمنَع الغيرَ عن مشاركة الرجل في مائة؛ ليثق بأنّ الولدَ منه؛ فيقوم بتربيته والإِرضاع.
و[إِلاّ] اختّلّ أمرُ التناسلِ. ولو لم يكن له على المرأة ولايةٌ، تمنعها من الخروج والتبدُّ عليه، وتُلزِمُها المطاوَعةَ على الاستمتاع بها، لّما حصل السكنُ والازدواج".
ثمّ قال: "فإن قيل: "الإِنسان لا يأثم بترك النكاح؛ وذلك يَنقُض الوجوبَ"، قلنا: إِنما لا يأثم بالتركِ في كلّ زمانٍ؛ لأنّه واجبٌ موسًّعٌ، أو على الكفاية. على أنّ بعضهم قال: "لو تَرك النكاحَ جميع عمره، ومات من غير نكاحٍ، عوقب عليه في الآخرة".
هذا حاصل ما قَرّر به هذه القاعدةَ.
ثمّ بنى عليها فروعًا.
منها أنّ الاشتغال بالنكاح أفضل من التخلّي لنوافل العبادة؛ لتضمُّنِه معنًى تجِب إِقامته، بخلاف النوافلِ. قلتُ: وهذا مذهبُ أحمد، خلافًا للشافعيّ.
ومنها أنّ المولى يملِك إِجبارَ عبدِه على النكاح، استبقاءً لمالِه، وهو العبد، وصيانةً له.
ومنها إرسال الطلقات الثلاث جملةً حرامٌ وبدعةٌ؛ لأنّ ذلك قطعٌ للمصلحة التي تجب إِقامتها بالكلّيّة، احترازًا عن تفريقها، فإِنّه جائزٌ.