فممنوعٌ أيضًا؛ لأنّا إِذا نازعناه في أصل وجوبِ ثبوتِ المصلحة، فالنزاع في مقدارها أَولى.
ثمّ نقول: لِم لا يجوز أن يَتَعبّد سبحانه خلقَه بالأفعال المختلِفة لمصالح متساويةٍ؟ إِن مَنعتَه عقلًا، فقد سَبَق الكلامُ في قاعدة التحسين والتقبيح. وإِن مَنعتَه شرعًا، فأين دليله في الشرع؟ وظواهر السنّة الصحيحة المستفيضة، بل نصوصها، تدلُ على صحّة ذلك ووقوعه. كقولِه عليه السلام: "مَن فطر صائمًا، فله أجرُ صائمٍ؛ ومن جهّز غازيًا، أو خَلَفَه في أهله بخيرٍ، فقد غزا"؛ وقوله: "مَن سأل اللهَ الشهادةَ خالصًا من قلبه بَلَّغه اللهُ مراتب الشهداء، وإِن مات على فراشه". وقوله في غَزَاة تبوك: "إنّ بالمدينة ناسًا، ما هَبَطتم واديًا، ولا قَطَعتم منزلًا، إِلاّ كانوا معكم"؛ قالوا: "وهٌم بالمدينة؟ " قال: "وهُم بالمدينة؛ حَبسهم العذرُ، يعني بنيَّاتهم. وهذه مصالح متساويةٌ في ظاهر الأمر، مع تفاوت الأعمالِ؛ إِذ بين الصائم والمفطرِ، وبين الغازي والمجَهِّز، وبين النيّة والفِعل في لُحوقِ مَشاقّ العبادات، بونٌ بعيدٌ.
وأمّا أنّ المصلحة لابدّ من القطعِ بوجودها في الفعل، فضعيفٌ أيضًا. لأنّه لو لَزِم القطعُ بوجودها، للزم القطعُ بتعيينها، لكنّا نقول: تعيينُ المصلحةِ أولى بأن يُعتبَر القطعُ فيه من وجودها؛ لأنّه أهمّ وافيد وأشرح لصدر المكلَّف، لِما فيه من معرفةِ خصوصيّةِ العلّةِ. بخلاف الاكتفاءِ بمجرَّد الوجود؛ فإِنّ المصلحة قد تكون مجمَلَةً. فإذا لم يُعتبر القطعُ بتعيينها الأهمَّ، فأن لا يُعتَبر القطعُ بوجودِها أولى.
وإِذ بَطَلَت مقدّماتُ قاعدتِه، بطلَت دعواه في فروعها الثلاثة. ولنا في كلّ واحدةٍ منها قولان. والمختار فيهنّ وجوبُ الكفّارةِ؛ وهو الصحيح في المذهبِ، إِلاّ في يمين