اللهُ سبحانه للفقراء في مال الأغنياء كفايَتهم. لكنّ بعض الأغنياء مَنَع ما يُستحَق عليه، وبعضهم أخذَ منها ما لا يَستحِقُّه، فضاق على الفقراء".
والحِكمتان ملحوظتان من الزكاة. أمّا معنى العبادة، فللاتّفاق على اشتراط النيّة فيها، واقترانها بالصلاة في الأمر بهما. وأمّا معنى المواساة، فلإجرائها ظاهرًا إِذا أُخذَت قهرًا من الممتنع. ولقوله تعالى، {إنما الصدقات للفقراء}، الآية؛ جعَلَهم مصرفًا لها. ولهذا تَردَّدَت بين حقِّ الخالِق والمخلوق في بعض الأحكام. هذا فصلُ الخطابِ في المسألة.
ثمّ غَلَّب أبو حَنيفة فيها جانب العبادةِ. وغلّب غيرُه معن المؤونة الماليّة والمواساة. أمّا ما قرّره العالميّ من معنى الطغيان والرياضة، وأنّ المصلحة المقابلة لمفسدة الزكاة إِنما هي دَفعُ ضَرَرِ العقابِ لا غير، فضعيفٌ مخالِفٌ لصحيحِ النقلِ وصريحِ العقلِ.
أمّا صحيح النقل، فقولُه تعالى: {من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم}؛ وقوله، {وما آتيتم من زكاة تريدون وجه الله فأولئك هم المضعفون}. فَوَعَدَ على الزكاة بالأجرِ الكريم والمضاعَفَة. وجَعَل ذلك جابِرًا لضررِ الزكاة.
وأمّا المعقول، فلأنّ الواحد منّا يُكلَّفُ عبدَه تكليفًا. ثمّ تارةً يَتَوعَّدُه على تَركِه، وتارةً يَعدُه على فِعلِه، وتارةً يجمَعُها له. وكذا الأمر في الزكاة؛ فإِنّ الوعد والوعيد فيما يتعلَّق بفعل الزكاةِ وتَرِكها كثيرً. وحينئذٍ، لا يَتعيّن دَفعُ العقابِ مرغوبًا في الزكاة، ليَخرُجَ منه الصبيُّ والمجنون. وقد يجرز أن تكون فائدةُ الزكاةِ دنيويّةً؛ وهي دفعُ المعرَّة عن الأغنياء بفاقة الفقراء؛ وهم بنو أبٍ واحدٍ وأمِّ واحدةٍ؛ فتُعَيِّرهم بذلك الملائكةُ والجنُّ. وتحقيقُ قولِهم: {أتجعل فيها من يفسد فيها}، فلطفُ اللهِ سبحانه بدَفعِ تلك المعرّةِ عنهم. فتتناول هذه المصلحةُ الصبيَّ والمجنونَ. فقولُه، "لَم تجب إِلاّ لمعنى الارتياضِ"، تحَكُّمٌ. وقد تكون المصلحةُ ما يخلفه اللهُ عليه بالبركةِ مِن حيث لا يَعلمُ؛ حيث انقادَ للزكاةِ وسَلَّم.