تلَجلُجِ العاصي عند الجواب، والنكيرَ على تقريع الملَكين للكافر. كذا ذكر ابنُ بَرهان في الاعتصام.
والذى ذكره القاضي عبد الجبّار في طبقات المعتزلة إِنكارُ هذا النقلِ عنهم. قال: "وإِنما أنكره أوّلًا ضرار بن عمروٍ، وكان من أصحاب واصلٍ؛ فظنّ الناسُ أنّ المعتزلة أنكروه. وإِنما المعتزلة رجلان: أحدهما يجوِّز ذلك، كما وردت به الأخبارُ. والثاني، وهم أكثرُ شيوخنا، يقطعون بذلك، لظهور الأخبار؛ وإِنما يُنكِرون قولَ طائفةٍ من الجهلة، "إِنهم يعذَّبون وهم موتى لا حياة فيهم"، لأنّ دليل العقل يأبى ذلك".
قلتُ: ذكر الشهرستانيُّ في النبوّات أنّ هذا الذي أنكروه هو قول صالحٍ والصالحيّ منهم، ومال إِليه الكرّاميّةُ. ويُحكى مِثلُه عن ابن جريرٍ الطبريّ. قال: "وزعم بعضُ أهل المقالات أنّ الآلام تجتمع في أجساد الموتى وتتضاعف. حتى إِذا حُشِروا، أحسّوها دُفعة واحدةً، كالسكران والمغشيّ عليه لو [جُرحَ] بالسكّين، فلا يحسّ بالألم حتى يُفيق". قال الشهرستانيّ: "وأّما ضرارٌ وبشر المريسيّ ويحيى بن كاملٍ وباقي المعتزلة، فنفوا عذابّ القبر ورد الأرواح إِلى الأجساد. وعليه معظم معتزلة عصرنا".
ومنها أنهم أنكروا أنّ الجنّة والنار مخلوقتان الآن؛ بل ستخلفان؛ لأنّ خلقَهما قبل الحاجة إِليهما عبثٌ؛ وهو قبيحٌ. وعندنا هما موجودتان، رأهما النبيّ صلى الله عليه وسلم، وصرَح بوجودهما الكتابُ والسنّةُ. والعبث فيهما ممنوعٌ؛ بل فيه ترغيبٌ وترهيبٌ.
هذا ما تيسّر إِثباتُه من فروع التحسين والتقبيح في أصول الدين.