أمّا السنّة، فما صَحَّ من قوله عليه السلام، "لَنْ يُدخل أحدًا عَمَلُه الجنّةَ". قالوا: "ولا أنت يا رسول الله؟ " قال: "ولا أنا، إِلاّ أن يغمدني اللهُ برحمةٍ منه وفَضلٍ.
وروى الحارثُ الأشعريّ أنّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: "إِنّ الله أمَر يحيى بن زكريّا بخمس كلمات، ليعمل بها ويأمَر بني إسرائيل أن يعملوا بها؛ فجمَعَ الناسَ في بيت المقدس، فامتلأ المسجدُ، وقعدوا على الشُّرَف. فقال: "إِنّ الله أمرني بخمس كلماتٍ أن أعمال بهنّ، وآمَرَكم أن تعملوا بهنّ. أوّلهن أن تعبدوا اللهَ ولا تشركوا به شيئًا، وإِنّ مَثَل مَن أشرك بالله كمَثَل رجلٍ اشترى عبدًا من خالص ماله بذهبٍ أو ورقٍ، فقال: "هذه داري، وهذا عَمَلي؛ فاعملْ، وأدِّ إِليَّ". فكان يعمل ويؤدِّى إِلى غير سيّده؛ فأيّكم يرضى أن يكون كذلك؟ " الحديث، رواه النسائيّ والترمذيّ وصحّحه.
ووجهُ دلالته أنّه شبَّه الناسَ في المثال بالعبيد؛ وهم كذلك عبيد الله حقيقةً. والعبد وأعمالُه، سواءٌ كانت خَلقًا له كما تقول المعتزلةُ، أو كسبًا كما نقوله نحن، مُلكٌ لسيّده. فبماذا يستحقّون عليه الجزاء؟ وإِنما يجازيهم على طاعتهم تفضُّلًا، بدليل قوله سبحانه: {ليجزى الذين آمنوا وعملوا الصالحات من فضله}. وكعبد أحدنا إِذا صاد صيدًا، أو وَجَد لقطةً، فجاء بها إِلى سيّده، فقال له: "اذهب، فكُلها، وانتفع بها"، تفضّلًا من السيّد بملكه على عبده، لا استحقاقًا للعبد على سيّده. ودلالة هذا الحديث على نفي استحقاقهم للثواب أقوى من دلالة حديث ابن عمر على إِثباته؛ لأنّه شبَّه فيه العبيدَ حقيقةً بالأُجراء، تقريبًا إِلى الأفهام بضرب المثال، وليسوا أجراء قطعًا، بل هم عبيدٌ مملوكون. وملكُ الله فيهم أقوى وأكملُ من مُلك أحدنا لعبده.
وقد رأَينا في الآثار أنّ الله سبحانه يقول لأهل الجنّة: "ادخلوها برحمتي، واقتسموها بأعمالكم"؛ وهو تفضّلٌ منه أيضًا، لما سبق. وكلّ ما دلّ أو أشعَر في الشرع بوجوب الثواب على الله سبحانه، فإِنما ذلك بمعنى أنّه التزم على نفسه الجزاءَ