أمّا فروعه في أصول الدين، فمنها أنّ وجوب النظر فيما لا يُعرَف إِلاّ بالنظر- كإثبيات الصانع، وحدوث العالَم، وجواز بعثة الرسل، ودلالتة المعجز على صدقهم، ونحو ذلك- سمعيِّ عندنا، أي إِنما عُرِف بالسمع؛ كقوله: {انظروا}، {أفلا ينظرون}، ونحوها من الآي، وهو كثيرٌ. عقلي عند المعتزلة، أي لا يُعرَف إِلاّ بالعقل.
لنا، لو وَجب قبل الشرع، لترتّب عليه الثوابُ والعقابُ، لأنهما من آثار الوجوب ولواحقه. وهو منفيٌّ بقوله تعالى: {وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا}، {لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل}، ونحوه من الآيات.
احتجّوا بأنّه لو لم يُعرَف إِلاّ بالشرع، لزم إِفحامُ الرسل؛ بأن يقال للنبيّ: "لا أنظر في معجزك، حتى يجب عليّ النظرُ بالشرع؛ ولا يَثبُت الشرعُ حتى أنظر؛ فيصير حاصلُه: لا أنظر حتى أنظر. وهو دورٌ ممتنعٌ".
وأُجيبَ بأنّه لازمٌ عليكم؛ لأنّ وجوب النظر عندكم، وإن كان عقليًّا، لكنّه ليس ضروريًّا. بل هو نظريِّ، لتوقفه على مقدّماتٍ نظريّةٍ. وهي أعلم بوجوب معرفة الله؛ وبأنّ للنظر طريقٌ إِليها؛ وأنّ لا طريق إليها سواه؛ وأنّ ما لا يتمّ الواجبُ إِلاّ به واجبٌ. وحينئذٍ، للمخاطب أن يقول: "لا أنظر حتى أعرف وجوبَ النظر؛ ولا أعرف وجوبَ النظر حتى أنظر". فيؤول إِلى الدور الممتنع.
وطريق حلّه أنّ وجوب النظر ليس متوقّفًا على العلمن بوجوبه، بل على إِمكان العلم بوجوبه؛ وهو حاصلٌ كاف في الوجوب. وعند من يرى أنّ دلالة المعجِز على صدق المدّعي النبوّةَ ذاتي، يَسهُل الأمرُ؛ إِذ يحصل العلمُ بصدقه ضرورةً.