ثم إِلى سورة الضحى

فمنها قوله تعالى: {ووجدك ضالا فهدى}. فَنَسَب هُداه إِليه. أمّا قوله، "وَجَدَكَ ضَالًا"، فله وجهان جّيدان:

أحدهما: "وجَدك لا تعلم الهدى الذي جاءك، فعلّمك إِيّاه، وهداك به"؛ لقوله: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم}؛ وقوله: {ما كنت تدرى ما الكتاب وولا الإيمان}، يعني الذي جاءك. وإِلاّ، فهو لم يكن قبل ضالًا عن الإِيمان المطلق. الوجه الثاني: "وجدك وقد انعقد لك سببُ الضلال، بإجماع قومِك عليه؛ فلو لم يهدك، لتابعتهم؛ فهداك عمّا كانوا عليه إِلى ما صِرتَ إِليه. فهو كقوله: {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها}، {ولولا أن ثبتناك لقد كت تركن إليهم}.

ثم إلى سورة الفلق

فمنها قوله: {قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق}. وإِنما أراد أن يعلّمه التعوّذَ مِن شرّ جميع الموجودات تعوّذًا عامًّا. فدلّ على أنّ سائر الموجودات، مِن ذاتٍ وحركةٍ وكاسبٍ وكسبٍ، خَلْقُه سبحانه. وقد ثبت في السنّة تعوّذُه عليه السلام من شرّ كلّ شيءٍ. فأمّا قوله: {أعوذ بك من همزات الشياطين}، و {من شر السواس}، ونحو ذك ممّا خَصه بالاستعاذة منه، فلمُتضٍ للتخصيص؛ ولم يَذكُره بصفةٍ تقتضي العموم، كالخلق ها هنا. فكأنّه قال: "من شرّ مخلوقاته"، أو " الذي خلَقه".

وقرأ بعضُ القدريّةِ محرِّفًا للقرآن، فقرأ: "مِن شَر مَا خَلَقَ"، بتنوين "شر"، وجعلِ "ما" نافيةً. يعني: "ما يفعله المكلَّفون، من المعاصي والمآثم، وغيرُ المكلَّفين، مِن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015