حِكمتِه، ولا في كونِ ذلك حُسنًا؛ كجهلِنا بدواعي الحكمةِ في أكثرِ مخلوقاتهِ. هذا حاصل سؤالِه وجوابِه؛ وهو مشتركٌ. فإِنا نقول في خلقِه للكفر ما قاله هو في خَلقِه للكافر؛ خصوصًا على رأي أصحابه الذين التَزموا، على قاعدة رعاية الأصلح، أنّ النار أصلح للكافر.
ومنها قوله تعالى: {ومن يؤمن بالله يهد قلبه}. أضاف هدايةَ القلبِ إِليه جزاءً؛ فكذا ابتداءً. والمعنى: "مِن يُنعِم عليه بالإِيمان ابتداءً، يُتِمّ نعمتَه عليه بهداية القلب، بحسب علمه فيه وإِرادته به". فإِن قيل: "لا يلَزم من الإِيمان ابتداءً هدايةُ القلب دوامًا؛ لأنّا نَرى كثيرًا يؤمنون بدءًا، ويكفرون عند الخاتمة. وقد وَرَد الحديث ُ بذلك، حيث قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: "إِنّ مِن الناس مَن يولَد مؤمنًا ويعيش مؤمنًا ويموت مؤمنًا؛ ومنهم مَن يولَد كافرًا ويعيش كافرًا ويموت كافرًا؛ ومنهم يولًد مؤمنًا ويموت كافرًا؛ وعكسه؛ وأقسامًا أُخَر. قلنا: هذا السؤال مشتَرك الإِلزامِ. لأنّا أَشَرنا إِلى أنَ الاستثناء مضمَرٌ في الآية، تقديره: مَن يؤمن بالله، يَهد قلبَه، إِن شاء، وسبقت له العنايةُ.
فمنها قوله تعالى: {ومن يتوكل على الله فهو حسبه}. قال الزمخشريُّ، فيما حَكاه عنه ابنُ المنَيِّر: "نُسَلِّمُ للقدرِ؛ وهو التوكُّل". ثمّ قال ابنُ المنيِّر: "أين القَدَري مِن التسليمِ للقدرِ! فهو يَعتقِد أنّ المقَدَّرّ أكثره لا يقعُ. فأكثر الكائناتِ تَتَبعُ إِرادةَ الخلقِ عندهم؛ وإِن وافَقَت إِرادةَ اللهِ، فليس لها أثرٌ في الإِيجادِ". ثمّ قال: "ما شاء اللهُ كان، وما لم يِشأ لم يَكُن؛ لا مُعقِّب لحُكمِه".